[نصيحة: إزالة صور ذوات الأرواح]
يعمد كثير من الناس إلى تزيين بيوتهم بصور تعلق على الجدارن أو تماثيل توضع على أرفف في بعض زوايا البيت، وكثير من هذه الصور المجسمة وغير المجسمة تكون لذوات أرواح كإنسان أو طير أو دابة ونحو ذلك.
وأقوال المحققين من أهل العلم ظاهرة في تحريم صور ذوات الأرواح سواء كانت نحتاً أو رسماً أو مأخوذة بالآلة ما دامت ثابتة ليست كصورة المرآة أو الصورة في الماء، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في لعن المصورين وتهديدهم بتكليفهم ما لا يطيقون من نفخ الروح فيها يوم القيامة يشمل كل عامل في حقل التصوير ما لم يكن من باب الإعانة على الضرورة والحاجة كصور الإثباتات الشخصية اللازمة أو تتبع المجرمين ونحو ذلك.
وتعليق صور ذوات الأرواح فيه إثم آخر لأن ذلك يفضي إلى تعظيم صاحب الصورة، وقد يؤدي إلى الوقوع في الشرك كما حصل في قوم نوح وأقل ما في تعليق من الأضرار تجديد الأحزان أو التباهي والتفاخر بالآباء والأجداد فلا يقل أحد من الناس نحن لا نسجد للصورة، ومن أراد أن يحرم نفسه من الخير العظيم بدخول الملائكة بيته فليضع الصورة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن البيت الذي فيه صور لا تدخله الملائكة) رواه البخاري ٤/٣٢٥.
ولقد جاء في النهي عن التصوير عدة أحاديث فمنها:
(إن أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصورون) رواه البخاري ١/٣٨٢. وحديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يُقال لهم أحيوا ما خلقتم) رواه البخاري ١/٣٨٢.
وحديث أبي هريرة أنه دخل داراً بالمدينة فرأى في أعلاها مصوراً يصور (ينقش الصور في حيطان الدار التي تُبنى) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة فليخلقوا ذرة) رواه البخاري ١/٣٨٥.
وحديث أبي جحيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المصور رواه البخاري ١/٣٩٣.
وإليك أيها القارئ الكريم مزيداً من الإيضاح حول هذه المسألة في كلام أهل العلم.
جاء في شرح حديث لا تدخل الملائكة بيتاً: (المراد بالبيت المكان الذي يستقر فيه الشخص، سواء كان بناءً أو خيمة أم غير ذلك) فتح الباري ١/٣٩٣.
أما الصور التي تمنع الملائكة عن الدخول بسببها فهي صور ذوات الأرواح مما لم يقطع رأسه أو لم يمتهن الفتح ١/٣٨٢ (أي يُهان ويُحتقر بالوطء عليها وغيره) وصنع صور ذوات الأرواح فعل محدث أحدثه عباد الصور، وما يُشعر بذلك فعل قوم نوح، وحديث عائشة في قصة الكنيسة التي كانت بأرض الحبشة، وما فيها من التصاوير وأنه صلى الله عليه وسلم قال: (كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصورة، أولئك شرار الخلق عند الله) الفتح ١/٣٨٢.
ويضيف ابن حجر رحمه الله:
(قال النووي: قال العلماء: تصوير صورة الحيوان (ذوات الأرواح) حرام شديد التحريم، وهو من الكبائر، لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد، وسواء صنعه لما يمتهن أم لغيره، فصنعه حرام بكل حال، وسواء كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها، فأما تصوير ما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام.
قلت: ويؤيد التعميم فيما له ظل وفيما لا ظل له ما أخرجه أحمد من حديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وثناً إلا كسره، ولا صورة إلا لطخها أي طمسها) الحديث فتح الباري ١/٣٨٤
وقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على تطهير بيته من الصور المحرمة، وهذا مثال على ذلك: تحت عنوان من لم يدخل بيتاً فيه صورة روى البخاري رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أنها اشترت نمرقة (وسادة) فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية، قالت: يا رسول الله! أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت؟ قال: (ما بال هذه النمرقة؟) فقالت: (اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم) وقال: (إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة) فتح الباري ١/٣٩٢.
وقد يقول البعض: ولماذا الإطالة في هذا الموضوع؟ فنقول: لقد دخلنا بيوتاً وغرفاً فوجدنا صور المغنين وغيرهم، وبعضها عارية أو شبه عارية، معلقة على الجدران والمرايا والخزائن والأدراج والطاولات، ينظر إليها صاحبها صباح مساء، وصار بعضهم يقبل الصورة، ويتخيل أموراً منكرة!! فصارت الصورة من أعظم وسائل الانحراف، وتبين لأولي الألباب شيئاً من حكمة الشارع في تحريم صور ذوات الأرواح.
ولابد في ختام هذه الفقرة أن نشير إلى ما يلي:
١. يقول بعض الناس: إن الصور اليوم غزتنا في كل شيء في المعلبات الغذائية، والكتب والمجلات والدفاتر، وإذا أردنا طمس كل صورة فسنضيع أوقاتنا في ذلك، فماذا نفعل؟
٢. نقول: احرص على شراء ما خلا من الصور - إن أمكن - والباقي: يطمس ظاهراً كالصورة على الغلاف، ويبقى الكتاب يستفاد منه، وإذا انتهت الفائدة كالجرائد وغيرها تخرج من البيت، وما يتعذر طمسه كالصورة على المعلبات الغذائية مثلا، فلا حرج إن شاء الله في تركه كما ذكره أهل العلم لأنه دخل فيما عمت به البلوى والمشقة تجلب التيسير.
٣. إن كان ولابد من تعليق شيء لتزيين الجدران فليكن بعض المناظر الطبيعية أو صور المساجد والمشاعر الخالية من المحذورات الشرعية.
٤. على من يعلقون الآيات القرآنية وغيرها أن ينتبهوا إلى أن القرآن لم ينزل لتزين به الجدران، وأن من العبث تصوير الآيات على هيئة رجل ساجد أو طير ونحو ذلك، وأن لا يقع من الشخص في المجلس محظورات شرعية تخالف الآية المعلقة فوق رأسه.