للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أقسام الشروط في عقد النكاح

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا شاب خاطب ومقبل على الزواج وسمعت أن للزوجة عند العقد أن تشترط شرطاً في العقد. وسؤالي: ما حدود هذا الشرط؟ وماذا يحدث إذا حدث إخلال بهذا الشرط؟ وهل من الممكن أن تعطي الزوجة نفسها الحق في الطلاق إذا أخليت بهذا الشرط؟ وهل من الممكن أن يكون الشرط مثلاً ألا أتزوج عليها؟ وفي حالة زواجي تكون هي طالق مني.. أرجو الإفادة بالشرح المفصل لهذا الأمر وجزاكم الله خيراً.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

الأصل فيما يشترطه الزوجان في عقد النكاح أنه شرط صحيح يجب الوفاء به، ولا يجوز الإخلال به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) رواه البخاري (٢٧٢١) ومسلم (١٤١٨) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"الأصل في الشروط في العقود: الصحة، حتى يقوم دليل على المنع، والدليل على هذا عموم الأدلة على الوفاء بالعقد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/١، (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) الإسراء/٣٤، وكذلك الحديث الذي روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) رواه الترمذي (١٣٥٢) ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ) رواه البخاري (٢١٥٥) ومسلم (١٥٠٤) .

فالحاصل: أن الأصل في الشروط: الحل والصحة، سواء في النكاح، أو في البيع، أو في الإجارة، أو في الرهن، أو في الوقف. وحكم الشروط المشروطة في العقود إذا كانت صحيحة أنه يجب الوفاء بها، لعموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/١" انتهى.

"الشرح الممتع" (٥/٢٤١) من الطبعة المصرية.

وانظر أمثلة ذلك في جواب السؤال رقم: (٢٠٧٥٧) ، (١٠٣٤٣) .

أما اشتراط المرأة ألا يتزوج عليها: فالذي ذهب إليه المحققون من أهل العلم جواز هذا الشرط، فإذا أخل به الزوج كان للزوجة الحق في فسخ النكاح، وأخذ حقوقها كاملة.

قال ابن قدامة رحمه الله: إذا اشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها أو لا يتزوج عليها فهذا يلزمه الوفاء به، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح، روى هذا عن عمر وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص رضي الله عنهم" انتهى باختصار.

"المغني" (٩/٤٨٣) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"إذا اشترطت أن لا يتزوج عليها فإن هذا يجوز. وقال بعض العلماء: إنه لا يجوز؛ لأنه حجر على الزوج فيما أباح الله له، فهو مخالف للقرآن: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) النساء/٣، فيقال في الجواب على ذلك: هي لها غرض في عدم زواجه، ولم تعتد على أحد، والزوج هو الذي أسقط حقه، فإذا كان له الحق في أن يتزوج أكثر من واحدة أسقطه، فما المانع من صحة هذا الشرط؟!

ولهذا؛ فالصحيح في هذه المسألة ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله من أن ذلك الشرط صحيح" انتهى.

"الشرح الممتع" (٥/٢٤٣) .

وينبغي أن يُعلم أن الزوج إذا أخل بهذا الشرط لم تطلق زوجته بمجرد ذلك، بل يثبت لها الحق في فسخ النكاح، فإما أن تفسخ وإما أن تتنازل عن الشرط وترضى بما فعل الزوج، وتبقى زوجة له.

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:

"من الشروط الصحيحة في النكاح: إذا شرطت عليه أن لا يتسرى، أو لا يتزوج عليها، فإن وفّى، وإلا فلها الفسخ؛ لحديث: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) وكذا لو شرطت أن لا يفرق بينها وبين أولادها أو أبويها؛ صح هذا الشرط، فإن خالفه؛ فلها الفسخ. ولو اشترطت زيادة في مهرها، أو كونه من نقد معين؛ صح الشرط، وكان لازما، ويجب عليه الوفاء به، ولها الفسخ بعدمه، وخيارها في ذلك على التراخي، فتفسخ متى شاءت؛ ما لم يوجد منها ما يدل على رضاها مع علمها بمخالفته لما شرطته عليه؛ فحينئذ يسقط خيارها.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للذي قضى عليه بلزوم ما شرطته عليه زوجته فقال الرجل إذاً يطلقننا. فقال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط. ولحديث: (الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطهمْ) قال العلامة ابن القيم: "يجب الوفاء بهذه الروط التي هي أحق أن يوفيها، وهو مقتضى الشرع والعقل والقياس الصحيح؛ فإن المرأة لم ترض ببذل بضعها للزوج إلا على هذا الشرط، ولو لم يجب الوفاء به؛ لم يكن العقد عن تراض، وكان إلزاماً بما لم يلزمها الله به ورسوله" انتهى.

"الملخص الفقهي" (٢/٣٤٥، ٣٤٦) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>