للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم من يقول: إن فقر المسلمين بسبب كثرة النسل

[السُّؤَالُ]

ـ[ما حكم الشرع في رأيكم فيمن يقول: إن فقر المسلمين وضعفهم وتخلفهم في هذا العصر نتيجة للانفجار السكاني وكثرة النسل بنسبة تفوق التقدم الاقتصاد؟ وما نصيحتكم لمن يعتقد ذلك؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

"رأينا أن رأيه خطأ، وذلك لأن الله تعالى هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وليست العلة كثرة السكان، لأنه ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ولكن الله عز وجل يعطي لحكمة، ويمنع لحكمة.

ونصيحتي لمن يعتقد هذه العقيدة أن يتقي الله عز وجل، وأن يدع هذا الاعتقاد الباطل، وأن يعلم أن العالم مهما كثروا فإن الله تعالى لو شاء لبسط لهم الرزق، ولكن الله قال في كتابه: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) الشورى/٢٧.

فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.

"فتاوى علماء البلد الحرام" ص ١٠٨٤.

ولا شك أن الدعوة إلى تحديد النسل أو تقليله، مصادمة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم القائل: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ) رواه أبو داود (٢٠٥٠) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (١٧٨٤) .

فالذي يسعى إلى تقليل النسل، ويدعو إلى ذلك، يريد أن لا يباهي النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء يوم القيامة بكثرة أتباعه.

وقد ضمن الله تعالى لجميع المخلوقات رزقها، فقال: (ومَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إلَاّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) هود/٦.

فمحاربة الزيادة السكانية ـ سواء كان ذلك بفرض وسائل منع الحمل أو بالإجهاض أو بغير ذلك ـ باعتقاد أن الموارد لا تكفي الزيادة السكانية، وأن مصلحة البشر تقتضي الإقلال من زيادة نموهم، إن ذلك إعلان لإنكار ربوبية الله للخلق، وسعة رزقه، وهو شبيه باعتقاد المشركين، الذين كانوا يقتلون أولادهم خشية الفقر، قال الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) الأنعام/١٥١، وقال: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) الإسراء/٣١.

وكثرة الأمة نعمة من نعم الله تعالى التي يستحق أن يشكر عليها، ويعبد وحده، ولهذا ذكر الله تعالى أن نبيه شعيباً عليه السلام ذكَّر قومه ببعض نعم الله عليهم، فقال: (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ) الأعراف/٨٦.

وكثرة الأمة من أسباب عزتها وانتصارها على أعدائها، ولهذا قال الله تعالى عن بني إسرائيل: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) الإسراء/٧.

وفي دراسة مستقبلية عن مصر قال الدكتور محمد سيد غلاب: "إن الزيادة السكانية لم تكن أبداً عبئاً، ولا يصح أن تعتبر كذلك في القرن القادم؛ فهي التي مكنت مصر من التقدم في كل العصور".

وفي دراسة أخرى: يشير الدكتور مصطفى الفقي إلى أن من أهم العوامل المؤثرة في دور مصر عربيّاً: "اعتبار مصر مستودع الثروة البشرية".

ويقول الأستاذ خورشيد أحمد الخبير الاقتصادي: "القوة الغالبة لا تكون في المستقبل إلا للبلاد التي تتمتع بزيادة السكان، وتتحلى في الوقت ذاته بالعلوم الفنية، فليس ثمة شيء يستطيع أن يحتفظ لأمم الغرب بسيادتها وقيادتها العالمية سوى أن تعمل على نشر حركة تحديد النسل ومنع الحمل في بلاد آسيا وإفريقيا؛ لأجل هذا: فإن البلاد الغربية تعمل اليوم وسعها لزيادة سكانها، ولكنها في الوقت نفسه تستعين بأحسن ما عندها من أساليب الدعاية لتعميم حركة تحديد النسل في البلاد الآسيوية والإفريقية".

ويقول أيضاً: "وما أصْدَق الأستاذ (أورجانسكي) [مفكر أمريكي] في قوله: (وفي المستقبل، إنما تكون القوة أكثر عند المعسكر الذي يكون عنده الأفراد أكثر) ".

ويقول أيضاً: "مما لا يخفى على طالبٍ لعلم التاريخ: أن تعدد السكان له أهمية سياسية جذرية، ولذا: فإن كل حضارة أو قوة عالمية قد أولت جل اهتمامها إلى زيادة أفرادها في عصرها الإنشائي والتعميري، ولذا: فإن المؤرخ المعروف الأستاذ (ويل ديورانت) يعد كثرة السكان من أهم أسباب التقدم المدني، وأيضاً يعدها الأستاذ (آرنولد توينبي) من تلك التحديات الأساسية التي ردّاً عليها يخرج إلى عالم الوجود تقدم أي حضارة إنسانية".

وحتى لا يفهم الكلام خطأ، فليست زيادة السكان وحدها هي الكفيلة بالتقدم والحضارة، والانتصار على الأعداء، بل هي سبب رئيس لذلك، ولكنه ليس السبب الوحيد، بل لا بد أن يواكب ذلك: تعليم قوي، وتربية صحيحة، وشيوع العدل والأمان في المجتمع، ومحاربة الفساد، وقبل كل ذلك: الإيمان والتقوى، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) الأعراف/٩٦.

وقد تعالت صيحات أعداء الإسلام محذرةً من كثرة أعداد المسلمين، وأن ذلك من أعظم الخطر عليهم.

ففي كتاب "تحولات في جغرافية الشرق الأوسط" لمؤلفه البروفيسور أرنون سوفير ١٩٨٤م، وهو من الكتب الدراسية في الدولة اليهودية، ويعتبر مرجعاً للجهات المختصة هناك، يرى الكاتب أن الزيادة السكانية العالية في مصر تقلق إسرائيل، لإمكانية إقامة جيش قوي.

وقد نشرت صحيفة (الديلي تلغراف) في ١٩ /١/١٩٨٨ مقالاً بعنوان (القنبلة السكانية المؤقتة في حوض المتوسط) تناول فيه كاتبه هذه القضية التي تقض مضاجع الغرب وهي الزيادة السكانية الكبيرة في الدول التي تقع شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط، وتراجعها في الدول التي تقع شماله. ونقل المقال عن تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة: أن ثلثي سكان البحر الأبيض المتوسط في الخمسينات كانوا أوربيين منتشرين في الدول الممتدة من مضيق جبل طارق إلى مضيق البوسفور، غير أن هذه الصورة ستنعكس بحلول عام (٢٠٢٥) وسيصبح البحر المتوسط بحراً إسلامياً، إن لم يكن عربياً.

فهذا المقال يشير بما لا يدع مجالاً للشك، إلى أن الذي يشجع قضايا تحديد النسل والحد من الزيادة السكانية بين المسلمين، وتشجيع الدعوات العاملة على ذلك تحت شعارات كثيرة مثل: (تنظيم الأسرة) ، (تنظيم المجتمع) ، (تخطيط الأسرة) إلى غير ذلك من الشعارات الكثيرة.. نقول: إن الذي يشجع على ذلك إنما يخدمون أعداء الإسلام والمسلمين، ويعملون لمصلحتهم، علموا ذلك أو جهلوه.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"وأما القول بتحديد النسل فهذا لا شك أنه من دسائس أعداء المسلمين يريدون من المسلمين ألا يكثروا؛ لأنهم إذا كثروا أرعبوهم، واستغنوا بأنفسهم عنهم: حرثوا الأرض، وشغَّلوا التجارة، وحصل بذلك ارتفاع للاقتصاد، وغير ذلك من المصالح؛ فإذا بقوا مستحسرين قليلين صاروا أذلة، وصاروا محتاجين لغيرهم في كل شيء" انتهى.

"تفسير سورة البقرة" (٢/٨٨) .

وأخيرا ... إننا في حاجة إلى زيادة النسل مع أسلمة خطط التنمية، وأسلمة الأنظمة، وأسلمة القوانين، مع الاستفادة من العلوم الحديثة.

ولمزيد الفائدة، ينظر كتاب: "حركة تحديد النسل" أبو الأعلى المودودي ص (١٧٨-١٨٦) ، "مجلة البيان" عدد (١١، ١٠٧، ١٩١) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>