للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لم يتحلل جسمها بعد ستة أشهر من دفنها

[السُّؤَالُ]

ـ[ماتت امرأة، وبعد حوالي ستة أشهر توفيت امرأة أخرى، ففتحوا التربة لدفنها، فوجدوا المتوفية الأولى على حالتها، لم تتحلل، فهل هذا دليل على صلاحها، أو أنها من الشهداء لأنها ماتت بمرض بالمعدة؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

روى البخاري (٢٨٢٩) ومسلم (١٩١٤) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)

قال النووي رحمه الله:

" وَأَمَّا (الْمَبْطُون) فَهُوَ صَاحِب دَاء الْبَطْن , وَهُوَ الإسْهَال. قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي بِهِ الاسْتِسْقَاء وَانْتِفَاخ الْبَطْن , وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي تَشْتَكِي بَطْنه , وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَمُوت بِدَاءِ بَطْنه مُطْلَقًا " انتهى.

فنرجو لهذه المرأة ولكل من مات بداءٍ في معدته أن يكتب الله له أجر الشهداء.

ثانيا:

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يَبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْإِنْسَانِ إِلَّا عَجْبَ ذَنَبِهِ فِيهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ) رواه البخاري (٤٨١٤) ومسلم (٢٩٥٥) .

فظاهر هذا أن جميع بني آدم تأكلهم الأرض، ولا يبقى من أجسادهم شيء إلا عجب الذنب، وهو عظم صغير في أسفل الظهر.

ولم يرد - فيما نعلم – استثناء أحد لا تأكله الأرض إلا الأنبياء فقط، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ) رواه أبو داود (١٠٤٧) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الشهيد لا تأكله الأرض أيضاً.

قال ابن عبد البر في "التمهيد" (١٨/١٧٣) :

" روي في أجساد الأنبياء والشهداء أن الأرض لا تأكلهم، وحسبك ما جاء في شهداء أحد وغيرهم، وإذا جاز أن لا تأكل الأرض عجب الذنب جاز أن لا تأكل الشهداء، وذلك كله حكم الله وحكمته " انتهى باختصار.

وقال القرطبي في "المفهم شرح مسلم" (٧/٣٠٧) :

" وظاهر هذا: أن الأرض لا تاكل أجساد الشهداء، والمؤذنين المحتسبين، وقد شوهد هذا فيمن اطلع عليه من الشهداء، فوجدوا كما دفنوا بعد آماد طويلة، كما ذكر في السير وغيرها " انتهى.

ولكننا لا نعلم دليلا صحيحا من السنة النبوية يدل على أن الشهيد لا تأكله الأرض، غير أنه وجد في وقائع كثيرة بقاء بعض الشهداء مدة بعد دفنهم.

روى البخاري (١٣٥١) عَنْ جَابِرٍ رضى الله عنه، في قصة استشهاد والده في غزوة أحد، قال (فَأَصْبَحْنَا فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ، وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِى قَبْرٍ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِى أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الآخَرِ، فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً، غَيْرَ أُذُنِهِ) .

وفي رواية أبي داود (٣٢٣٢) (فَمَا أَنْكَرْتُ مِنْهُ شَيْئًا إِلَاّ شُعَيْرَاتٍ كُنَّ فِى لِحْيَتِهِ مِمَّا يَلِى الأَرْضَ) .

وقد عقد القرطبي في "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة" بابا ذكر فيه شيئا من ذلك.

ولكن لا نستطيع الجزم بأن ذلك يكون لكل شهيد، وأنه يبقى إلى يوم القيامة.

قال ابن أبي العز الحنفي في "شرح الطحاوية" (ص/٣٩٦) :

" وحرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء كما روي في السنن، وأما الشهداء: فقد شوهد منهم بَعدَ مُدَدٍ مِن دفنه كما هو لم يتغير، فيحتمل بقاؤه كذلك في تربته إلى يوم محشره، ويحتمل أنه يبلى مع طول المدة، والله أعلم، وكأنه - والله أعلم - كلما كانت الشهادة أكمل والشهيد أفضل، كان بقاء جسده أطول " انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين في "لقاءات الباب المفتوح" (٢٠٤/سؤال رقم/١) :

" أما الشهداء والصديقون والصالحون فهؤلاء قد لا تأكل الأرض بعضهم كرامة لهم، وإلا فالأصل أنها تأكله ولا يبقى إلا عجب الذنب " انتهى.

وعلى هذا؛ فالمرأة المسؤول عنها نرجو أن يكون الله تعالى تقبلها شهيدة، وأبقى جسمها هذه المدة كرامة لها.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>