للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل تجوز المشاركة في معرض يتضمن المنكرات للدعوة إلى الله؟

[السُّؤَالُ]

ـ[سنويا يقام معرض في مدينتنا في إحدى دول الغرب، وكل دولة إسلامية تمثل بلدها في ذلك المعرض، من خلال استعراض التراث الفني ورقصات شعبية وأشياء أخرى، كما وهناك أيضا خيمة مخصصة للدعوة في سبيل الله، حيث توزع كتب باللغة الإنجليزية تدعو إلى الإسلام، ومصاحف مترجمة وسيديهات الخ. المشكلة هي أن المعرض يقام في وسط المدينة، وفي مكان مكشوف، وبما أن المعرض يقام في الصيف، تكثر الفتن ويكثر الاختلاط بين النساء والرجال في كل مكان. والمسلم قد لا يأمن على نفسه ودينه؛ فهل تجوز المشاركة في هذا المعرض؟ وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

معلوم أن الشريعة قائمة على تحقيق المصالح الشرعية وتكميلها، وتعطيل المفاسد بكافة أنواعها، أو تقليلها.

وإذا قدر أنه لم يمكن تحصيل المصالح المفترضة جميعها: فالواجب على المكلف أن يسعى في تحصيل أعظم المصالح قدرا، بميزان الشرع، حتى لو فاته ما هو أقل منها.

وإذا لم يستطع التخلص من المفاسد المفترضة جميعها: فإنه يسعى في دفع أعظم هذه المفاسد، وأخطرها فالأخطر؛ حتى لو ذلك وقوعه في مفاسد هي أهون منها، وأقل شأنا، بميزان الشرع.

قال شيخ الإسلام رحمه الله:

" جاءت الشريعة بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما " انتهى.

"مجموع الفتاوى" (٢٠/ ٤٨)

وحيئنذ: فالحكم في المشاركة في مثل هذه المعارض يتبع ما يترتب عليها من المصالح والمفاسد.

فإن كان في هذه المشاركة مصلحة تعريف الناس بالإسلام، ودعوتهم إليه، وغلب على الظن منفعة ذلك: فإن المشاركة فيه مشروعة، من حيث العموم.

ثم يتوقف الكلام على كل شخص بحسب حاله؛ فإن كان الشخص المعين سريع التأثر بما في هذه الأماكن، وما حوله من الفتن، لم يجز له هو أن يشارك، وقام بهذه المهمة غيره ممن يرجى ثباته في مثل هذه المواقف، ونفعه فيها.

وإذا أمكن أن يقوم بهذه الوظيفة في الخيام الدعوية بعض المسلمين، ممن ابتلي بالإقامة في هذه البلاد: كفى غيره السفر إليها، والتعرض للفتنة، ولم يجز تعريض من هم في عافية لبلاء السفر إلى هذه البلاد، حتى ولو كان بغرض الدعوة إلى الله، ما دام غيره يتمكن من القيام بمهمته.

على أنه من المهم ألا ينفرد أحد المشاركين في هذه الأماكن بنفسه، ولا أن يخلو فيها وحده، بل ينبغي أن يكون المشاركون مجموعات متآزرة، يمكنها التعاون في أداء هذه المهمة، ولا يتمكن أحدهم من الخلوة بالنساء، ولا التعامل معهن على انفراد.

فإن غلبت الفتنة في أماكن المعارض، وغلب على الظن لحوق الفساد والشر بمن يشارك فيها: لم يجز لهم المشاركة في هذه المعارض، وليجتهدوا في تعويض ما فاتهم من الدعوة إلى الله بوسيلة أخرى أبعد عن الفتنة، وفي مكان آخر أكثر أمنا.

قال علماء اللجنة:

" إذا كانت المصلحة الشرعية في بقائه في الوسط الذي فشا فيه المنكر أرجح من المفسدة، ولم يخش على نفسه الفتنة: بقي بين من يرتكبون المنكر، مع إنكاره حسب درجته، وإلا هجرهم محافظة على دينه " انتهى.

"فتاوى اللجنة الدائمة" (١٢ / ٣٣٥)

وسئل الشيخ الفوزان حفظه الله:

هناك مجتمعات قائمة على الاختلاط، فهل على المسلم أن ينأى بنفسه عن هذا المجتمع في حين أنه لا يملك التغيير؟ كذلك هل يتعامل مع كل وسائل اللهو أم يمنع نفسه أم ماذا يفعل؟

فأجاب:

" لا شك أن غالب المجتمعات البشرية في العالم الآن تموج بأنواع من الفتن التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، وموقف المسلم من هذه الفتن وتلك المستجدات يجب أن يكون موقف المسلم الصحيح. فإذا كان يترتب على اختلاطه بهذه المجتمعات أن يتمكن من أن يغير شيئًا منها، وأن يدعوهم إلى الله ويرشدهم إلى الصواب، فهذا أمر مطلوب وهو من مقاصد الدعوة.

أما إذا كان ليس باستطاعته التأثير عليهم، بل في اختلاطه هذا خطر عليه وعلى ذويه: فعليه أن يهاجر بأن ينتقل إلى بلاد أخرى يمكن فيها ذلك " انتهى.

"المنتقى من فتاوى الفوزان" (٤٥ / ٥٥-٥٦) .

والنصيحة لمن شارك في مثل هذه المعارض، أو اضطر إلى البقاء في مثل هذه البلاد أن يتقي الله في نفسه ودينه، وألا يتوسع في الترخص بمعاملة النساء والفساق، والحديث معهم، وأن يكونوا صورة طيبة لحفاظ المسلم على دينه، في سمته وهديه وسلوكه وأخلاقه.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

موقع الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>