حكم شراء بساتين المِشمِش قبل نضجها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشريعة في شراء بساتين المشمش قبل النضج، حيث يتسارع التجار إلى شرائها من الفلاحين وهى ما زالت غير ناضجة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز بيع الثمار قبل بدو صلاحها، بإجماع العلماء، لثبوت النهي عن ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (نَهَى عَن بَيعِ الثَّمَارِ حَتََّّى يَبدُوَ صَلَاحُهَا، نَهَى البَائِعَ وَالمُبتَاعَ – أي المشتري -) رواه البخاري (٢١٩٤) ومسلم (١٥٣٤) .
ومن باب أولى: لا يجوز بيع الثمرة قبل ظهورها، وهذا أيضاً أجمع العلماء على تحريمه.
وحكمة النّهي عن بيع الثّمر قبل بدوّ صلاحه هي خوف تلف الثّمرة، وحدوث العاهة عليها قبل أخذها، فإنه يكثر تعرض الثمرة للآفات قبل بدو صلاحها، وقد ثبت في حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَرَأَيتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثّمَرَةَ، بِمَ يَأخُذُ أَحَدُكُم مَالَ أَخِيهِ؟) رواه البخاري (١٤٨٨) ومسلم (١٥٥٥) .
والمراد ببدو الصلاح أول ظهوره وبدايته، بحيث تكون الثمرة صالحة للأكل، وليس المراد كمال النضج، ولذلك جاء في الحديث: (حتى يبدو صلاحها) ولم يقل: (حتى يتم صلاحها) .
وروى مسلم (١٥٣٦) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَن بَيعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَطعَمَ) وفي رواية: (حَتَّى تَطِيبَ) .
قال النووي رحمه الله تعالى في "المجموع" (١١/١٥٠) :
" بدو الصلاح يرجع إلى تغير صفة في الثمرة، وذلك يختلف باختلاف الأجناس، وهو على اختلافه راجع إلى شيء واحد مشترك بينها، وهو طيب الأكل " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (٤/٣٣) :
" الضابط يدور على إمكان أكلها واستساغته؛ لأنه إذا وصل إلى هذا الحد أمكن الانتفاع به، وقبل ذلك لا يمكن الانتفاع به إلا على كره، وهو أيضا إذا وصل هذه الحال من النضج قَلَّت فيه الآفات والعاهات " انتهى.
وبدو صلاح المشمش الوارد في السؤال: نص العلماء على أنه يكون ببداية اصفراره مع حلاوته.
انظر: "المجموع" (١١/١٥١) .
ثانياً:
لكن هذا الحكم – وهو تحريم بيع الثمار قبل بدو صلاحها – قد استُثني منه عدة صور، يجوز فيها بيع الثمار ولو لم يبدُ صلاحها.
الأولى: أن يبيع الثّمرة مع الشّجر، فهذا جائز، سواء كان الثمر قد بدا صلاحه أم لا، ولا يختلف في ذلك الفقهاء، لأنّ بيع الثّمر هنا تابع للشّجر، والقاعدة عند العلماء: " أنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في الشيء المستقل ".
الثانية: أن يبيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها بشرط أن يقطعها المشتري في الحال، ولا ينتظر نضجها، فهذا البيع صحيح بالإجماع، وعلّله العلماء بأنّ المنع من البيع قبل بدوّ الصّلاح، إنّما كان خوفاً من تلف الثّمرة، وحدوث العاهة عليها قبل أخذها، وهذا مأمون فيما يقطع في الحال.
ويتصور اشتراط القطع في الحال في بعض الثمار التي يستفاد منها قبل النضج، كما لو كانت صالحة لتكون علفاً للبهائم مثلاً، ونحو ذلك من أوجه الانتفاع بها.
ثالثاً:
إذا كان البستان واحدا، فلا يشترط أن يبدو الصلاح في كل شجرة من شجر البستان، بل يعتبر كل نوع على حدة، فيكفي أن يبدو الصلاح في شجرة واحدة من كل نوع.
فمثلاً: إذا كان البستان فيه أنواع من التمر كالبرحي والسكري مثلا، فلا يعتبر بدو الصلاح في البرحي كافياً لبيع السكري، ولكن لا بد من بدو الصلاح في كل نوع، ولو في نخلة واحدة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (٤/٣١) :
" صلاح بعض الشجرة صلاح لها كلها ولسائر النوع الذي في البستان " انتهى.
انظر: "الموسوعة الفقهية" (٩/١٩٠-١٩٤) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب