دراسة العلوم الشرعية للحصول على الشهادة والوظيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما القول فيمن نال الشهادة الجامعية في علوم الشريعة ونيته الوظيفة فهل يكون داخلا في حديث الوعيد أم أن التوبة تمحو عنه ذلك؟ وهل بحصوله على الوظيفة بهذه الشهادة يصبح كسبه منها حراما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي للإنسان أن يحسن النية في طلب العلم، فيطلبه ابتغاء مرضاة الله تعالى، وينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره، وإذا سعى للحصول على شهادة من أجل الوظيفة، فلا حرج في ذلك، وينوي الاستعانة بهذه الوظيفة على طاعة الله تعالى، وخدمة المسلمين.
أما إذا كانت نيته محصورة في الوظيفة من أجل الراتب أو المنصب ونحو ذلك من أمور الدنيا، ولم ينو الاستعانة على طاعة الله ولا نفع المسلمين، ولا غير ذلك من النيات الصالحة، فهو على خطر عظيم، ويدخل في الوعيد الشديد الوارد في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله عز وجل، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة) يعني ريحها. رواه أبو داود (٣٦٦٤) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وعليه أن يصحح نيته، ويتوب إلى الله تعالى فإن التوبة تمحو ما سبق من الإثم، فقد قال النبي صلى الله عليه: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) . رواه ابن ماجة (٤٢٥٠) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة.
وأما الكسب الناشئ عن الوظيفة بهذه الشهادة، فالذي يظهر أنه لا حرج فيه، مادام العمل الذي يقوم به مباحاً.
وقد سئلت اللجنة الدائمة: هل يجوز الدراسة الدينية من أجل الشهادة؟
فأجابت: لا بأس أن يدرس لأخذ الشهادة، وعليه أن يجاهد نفسه في إصلاح النية حتى تكون الدراسة لله وحده، وأن يكون أخذ الشهادة ليستعين بها على طاعة الله ورسوله، وخدمة المسلمين " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (١٢/١٠٣) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يتحرج بعض طلبة العلم الشرعي عند قصدهم العلم والشهادة فكيف يتخلص طالب العلم من هذا الحرج؟
فأجاب: " يجاب على ذلك بأمور:
أحدها: أن لا يقصدوا بذلك الشهادة لذاتها، بل يتخذون هذه الشهادات وسيلة للعمل في الحقول النافعة للخلق؛ لأن الأعمال في الوقت الحاضر مبنية على الشهادات، والناس غالبا لا يستطيعون الوصول إلى منفعة الخلق إلا بهذه الوسيلة وبذلك تكون النية سليمة.
الثاني: أن من أراد العلم قد لا يجده إلا في هذه الكليات فيدخل فيها بنية طلب العلم ولا يؤثر عليه ما يحصل له من الشهادة فيما بعد.
الثالث: أن الإنسان إذا أراد بعمله الحسنيين حسنى الدنيا، وحسنى الآخرة فلا شيء عليه في ذلك؛ لأن الله يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/٢ -٣، وهذا ترغيب في التقوي بأمر دنيوي.
فإن قيل: من أراد بعمله الدنيا كيف يقال بأنه مخلص؟
فالجواب: أنه أخلص العبادة ولم يرد بها الخلق إطلاقا فلم يقصد مراءاة الناس ومدحهم على عبادته بل قصد أمرا ماديا من ثمرات العبادة، فليس كالمرائي الذي يتقرب إلى الناس بما يتقرب به إلى الله ويريد أن يمدحوه به، لكنه بإرادة هذا الأمر المادي نقص إخلاصه فصار معه نوع من الشرك وصارت منزلته دون منزلة من أراد الآخرة إرادة محضة.
وبهذه المناسبة أود أن أنبه على أن بعض الناس عندما يتكلمون على فوائد العبادات يحولونها إلى فوائد دنيوية؛ فمثلا يقولون في الصلاة رياضة وإفادة للأعصاب، وفي الصيام فائدة لإزالة الفضلات وترتيب الوجبات، والمفروض ألا تجعل الفوائد الدنيوية هي الأصل؛ لأن ذلك يؤدي إلى إضعاف الإخلاص والغفلة عن إرادة الآخرة، ولذلك بين الله تعالى في كتابه حكمة الصوم - مثلا أنه سبب للتقوى، فالفوائد الدينية هي الأصل، والدنيوية ثانوية، وعندما نتكلم عند عامة الناس فإننا نخاطبهم بالنواحي الدينية، وعندما نتكلم عند ممن لا يقتنع إلا بشيء مادي فإننا نخاطبه بالنواحي الدينية والدنيوية ولكل مقام مقال " انتهى من كتاب "العلم" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب