للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هذا نكاح شغار لا يجوز

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا شاب وعقدت على بنت خالتي، ولكن أنا لا أحبها، وأحب أختها، ولكن أجبرت على ذلك؛ لأن أخاها لا يتزوج أختي إلا إذا تزوجت التي لا أحبها، والبنت تعرف أني لا أطيقها، لكن أهلها أصروا على أن تتزوجني، والآن، أنا لا أعرف ماذا أعمل؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

لقد أكرم الله تعالى الإنسان بالعقل ووهبه الإرادة الحرة ليختار بها ما يُمليه عليه دينه وعقله وخلقه، وليرتفع بها عن استقبال إملاءات الهوى والشيطان، فلا ينبغي لمن مُنِح هذه الكرامة أن يُفَرِّطَ فيها فيستجيب لرغبات مَن حوله المحرمةِ وعاداتِهم البغيضةِ.

أخي الكريم

لقد جاء في السنة المطهرة النهيُ عن عقد الزواج الذي تم بينكم، وهو ما يسمى بنكاح " الشِّغَار ".

عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشِّغار) رواه البخاري (٥١١٢) ومسلم (١٤١٥) .

ونكاح الشغار: أن يشترط تزويج كل واحد منهما بنت الآخر أو أخته أو موليته، سواء كان هناك مهر أم لا.

جاء في " المدونة " (٢ / ٩٨) :

" أرأيت إن قال: زوِّجني ابنتَك بمائة دينار على أن أزوجك ابنتي بمائة دينار؟ .

فكرهه مالك، ورآه من وجه الشغار " انتهى.

ومما يدل على ذلك ما رواه أبو داود وغيره (٢٠٧٥) عن عبد الرحمن بن هرمز أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد الرحمن ابنته، وقد كانا جعلا صداقاً، فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينهما، وقال في كتابه: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعدَّ بعض أهل العلم نكاح الشغار نكاحاً فاسداً لا يجوز إمضاؤه.

جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (١٨ / ٤٢٧) :

" إذا زوَّج الرجل موليته لرجل على أن يزوجه الآخر موليته: فهذا هو نكاح الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي يسميه بعض الناس نكاح " البدل "، وهو نكاح فاسد، سواء سمِّي فيه مهر أم لا، وسواء حصل التراضي أم لا.

أما إن خطب هذا مولية هذا، وخطب الآخر موليته من دون مشارطة وتم النكاح بينهما برضى المرأتين مع وجود بقية شروط النكاح: فلا خلاف في ذلك، ولا يكون حينئذ من نكاح الشغار " انتهى.

وانظر جواب السؤال رقم (١١٥١٥) .

وبهذا يتبين أنكم قد ارتكبتم محذوراً شرعيّاً عظيماً، فضلاً عن كونه محذوراً اجتماعيّاً ونفسيّاً كبيراً.

وذلك أن الزواج يجب أن يبدأ بالرضى ويكون بالاختيار، وقد حرصت الشريعة على توفر الرضى في كل زواج، حتى قال صلى الله عليه وسلم: (لا تُنكَحُ البِكرُ حَتَّى تُستَأذَنَ) رواه البخاري (٥١٣٦) ومسلم (١٤١٩) .

والزواج إذا لم يكن عن رضا وارتياح: فغالباً ما يكون مصيره الفشل، فكيف إذا كان الزوج يَكرَهُ زوجته كما هو حال السائل.

وأخطر من ذلك ما ذكرت من تعلقكَ بأخت مَن عقدتَ عليها، فإن كرهك للتي خطبتَها وتعلقك بأختها يعني أن نفسك ستدعوك إلى التطلع للمحرمات، وأن الشيطان سيجد فرصة كبيرة ليسول لك المعصية ويزين لك الخطيئة، وهو مع ذلك سيحرمك سعادة الزواج وأنس السكن والمودة بينك وبين زوجتك.

وسبب ذلك مخالفة شريعة الله تعالى والوقوع في نكاح الشغار!

فالنصيحة لك أن تحذر من إتمام هذا الزواج، ولا تستجب لأي محاولة لخلق الأعذار، وعليك أن تبين لزوج أختك أن اشتراط العقدين معاً أمر محرم، ويفسد العقدين جميعا، فعليه أن يتمسك بزوجته، ولكن في الوقت ذاته عليه أن يعيد عقد النكاح مرة أخرى، لأن العقد فاسد بسبب الشغار، فإن رفض ذلك وأصر على مفارقتها، فقد قال الله سبحانه وتعالى: (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعاً حَكِيماً) النساء/١٣٠.

وأذكرك اللَّهَ – أخي السائل – ألا تقتحم حرماته بمحاولة الاتصال بتلك الفتاة التي ترغب بها، فإنه إن لم يتيسر لك الزواج بها بالحسنى: فالواجب عليك قطع صلتك بها تماما.

نسأل الله لك الهداية والتوفيق.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>