تفصيل القول في ساعة الإجابة يوم الجمعة وحكم إطالة السجدة الأخيرة من أجل الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كل يوم جمعة الساعة التي قبل غروب الشمس التي يتوقع أنها ساعة الإجابة أتعمد دخول المسجد، وصلاة ركعتين لله سبحانه وتعالى، تحية للمسجد؛ ثم في آخر سجدة من الركعتين أبقى ساجداً حتى الغروب، أدعو في سجودي، حتى يؤذن للمغرب؛ لأنه وقت فرصة آخر ساعة من الجمعة أحرى بالإجابة، وأزيد فرصة التحري للإجابة وأنا ساجد، وأحياناً إذا لم يكن هناك سبب للصلاة، وفي وقت النهي عن الصلاة أتعمد قراءة سورة فيها سجدة، فأسجد ساعة حتى يؤذن للمغرب يوم الجمعة، وحالي: الدعاء، وطول السجود، حتى أتاني في يوم من الأيام شخص بعد أن قمت بهذا الفعل شككني فيه، ولمح لي أنه ابتداع. هل فعلي ذلك ابتداع؟ رغم أن نيتي تحري فرص الإجابة آخر ساعة من يوم الجمعة، وأدعو وأنا ساجد، الفرصتان أحرى بالإجابة، هذا هو أصل نيتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف العلماء في تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة على أقول كثيرة، وأقوى هذه الأقوال من حيث الأدلة: أنها الساعة التي بين أذان الجمعة وانقضاء الصلاة، وكذا الساعة التي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، ولكل واحدة من الساعتين أدلة من السنَّة، وقائل بها من أهل العلم.
أ. أما دليل الساعة الأولى: فهو حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - يعني في ساعة الجمعة -: (هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإِمَامُ إِلى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ) رواه مسلم (٨٥٣) .
وأما القائلون بها: فكثير قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"وقد اختلف السلف في أيهما أرجح، فروى البيهقي من طريق أبي الفضل أحمد بن سلمة النيسابوري أن مسلماً قال: حديث أبي موسى أجود شيء في هذا الباب وأصحه، وبذلك قال البيهقي، وابن العربي، وجماعة، وقال القرطبي: هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره، وقال النووي: هو الصحيح بل الصواب، وجزم في " الروضة " بأنه الصواب، ورجحه أيضاً بكونه مرفوعاً صريحاً، وفي أحد الصحيحين" انتهى.
" فتح الباري " (٢ / ٤٢١) .
ب. وأما دليل الساعة الثانية: فهو حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَوْمُ الجُمُعة ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، لَا يُوجَد فِيهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ الله شَيْئاً إِلَاّ آتَاهُ إِيَّاهُ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ العَصْر) رواه أبو داود (١٠٤٨) والنسائي (١٣٨٩) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود "، والنووي في "المجموع" (٤ / ٤٧١) .
وأما القائلون بها: فكثير أيضاً، وعلى رأسهم الصحابيان أبو هريرة، وعبد الله بن سلام رضي الله عنهما.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"وذهب آخرون إلى ترجيح قول عبد الله بن سلام، فحكى الترمذي عن أحمد أنه قال: أكثر الأحاديث على ذلك، وقال ابن عبد البر: إنه أثبت شيء في هذا الباب، وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن: أن ناساً من الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة، ثم افترقوا، فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة، ورجَّحه كثير من الأئمة أيضا، كأحمد، وإسحاق، ومن المالكية: الطرطوشي، وحكى العلائي أن شيخه ابن الزملكاني - شيخ الشافعية في وقته - كان يختاره، ويحكيه عن نص الشافعي" انتهى.
"فتح الباري" (٢/٤٢١) .
وكل واحدة من هاتين الساعتين يُرجى فيها إجابة الدعاء.
قال الإمام أحمد: أكثر الأحاديث في الساعة التي تُرجى فيها إجابة الدعوة: أنها بعد صلاة العصر، وتُرجى بعد زوال الشمس. ونقله عنه الترمذي.
" سنن الترمذي " (٢ / ٣٦٠) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
"وعندي: أن ساعة الصلاة ساعة ترجى فيها الإجابة أيضاً، فكلاهما ساعة إجابة، وإن كانت الساعة المخصوصة هي آخر ساعة بعد العصر، فهي ساعة معينة من اليوم لا تتقدم ولا تتأخر، وأما ساعة الصلاة فتابعة للصلاة تقدمت أو تأخرت؛ لأن لاجتماع المسلمين، وصلاتهم، وتضرعهم، وابتهالهم إلى الله تعالى تأثيراً في الإجابة، فساعة اجتماعهم ساعة ترجى فيها الإجابة.
وعلى هذا تتفق الأحاديث كلها، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم قد حض أمته على الدعاء والابتهال إلى الله تعالى في هاتين الساعتين" انتهى.
"زاد المعاد" (١/٣٩٤) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"جاء في بعض الروايات عند مسلم أنها (حين يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة إلى أن تقضى الصلاة) ، هكذا جاء في صحيح مسلم من حديث أبي موسى مرفوعاً، وعلله بعضهم بأنه من كلام أبي بردة بن أبي موسى وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والصواب ثبوت رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء أيضا من حديث جابر بن عبد الله وعبد الله بن سلام أنها ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، وجاء في بعض الأحاديث أنها آخر ساعة من يوم الجمعة، وكلها صحيحة لا تنافي بينها، فأحراها وأرجاها: ما بين الجلوس على المنبر إلى أن تقضى الصلاة، وما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، هذه الأوقات هي الأرجى لساعة الإجابة، وبقية الأوقات ف يوم الجمعة كلها ترجى فيها إجابة الدعاء، لكن أرجاها ما بين جلوس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة، وما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس كما تقدم، وبقية ساعات الجمعة ترجى فيها هذه الإجابة لعموم بعض الأحاديث الواردة في ذلك، فينبغي الإكثار في يوم الجمعة من الدعاء؛ رجاء أن يصادف هذه الساعة المباركة، ولكن ينبغي أن تحظى الأوقات الثلاثة المذكورة آنفا بمزيد من العناية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نص على أنها ساعة الإجابة" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (١٢ / ٤٠١، ٤٠٢) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"فأرجى ساعات الجمعة بالإجابة هي وقت الصلاة، وذلك لأمور:
أولاً: لأن ذلك جاء في صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
وثانياً: أن هذا اجتماع من المسلمين على عبادة واحدة بقيادة واحدة، يعني: إمام واحد، وهذا الاجتماع يكون أقرب إلى الإجابة، ولهذا في يوم عرفة حين اجتمع المسلمون على صعيد عرفة ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا يباهي بهم الملائكة ويجيب دعاءهم، لذلك احرص يا أخي على الدعاء في هذا الوقت، وهو وقت صلاة الجمعة، لكن متى تدخل هذه الساعة ومتى تخرج؟ تدخل من حين أن يدخل الإمام إلى أن تقضى الصلاة، فلننظر الآن متى ندعو، دخل الإمام وسلم، وبعد ذلك الأذان، الأذان ليس فيه دعاء فيه إجابة للمؤذن، بعد الأذان هناك دعاء، بين الأذان والخطبة هناك دعاء، تقول بعد الأذان: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة والقائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه اللهم مقاماً محموداً الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد) ، ثم تدعو بما شئت، ما دام الخطيب لم يشرع في الخطبة فأنت في حل فادع الله بما شئت، كذلك أيضاً بين الخطبتين تدعو الله بما شئت من خيري الدنيا والآخرة، كذلك أيضاً في أثناء الصلاة في السجود: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقرب ما تكون من الرب وأنت ساجد ... .
ولكن هل هناك محل دعاء ثانٍ في الصلاة؟ بعد التشهد كما في حديث ابن مسعود حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم التشهد ثم قال بعده: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) ، وكلمة: (ما شاء) عند علماء الأصول تفيد العموم.
فصار عندنا الآن في ساعة الإجابة وقت صلاة الجمعة عدة مواطن للدعاء، فانتهز الفرصة يا أخي، انتهز الفرصة في الدعاء في صلاة الجمعة لعلك تصادف ساعة الإجابة.
هناك أيضاً ساعة أخرى ترجى فيها الإجابة من نفس اليوم، وهي: ما بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، لكن هذا القول أشكل على بعض العلماء، وقال: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (وهو قائمٌ يصلي) وبعد العصر لا توجد صلاة، أجاب عنهم العلماء، فقالوا: إن منتظر الصلاة في حكم المصلي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يزال في صلاةٍ ما انتظر الصلاة) " انتهى.
" دروس وفتاوى الحرم المدني عام ١٤١٦هـ ".
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي) وبعد صلاة العصر ليس وقتا للصلاة، فهناك احتمالان في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي) :
أ. أن يكون معناه الجلوس وانتظار الصلاة، ويسمى ذلك شرعاً " صلاة ".
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: فَقُلْتُ لَهُ – أي: لعبد الله بن سلام - فَأَخْبِرْنِي بِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي) ، وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلِّي فِيهَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ) ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هُوَ ذَاكَ.
رواه الترمذي (٤٩١) وأبو داود (١٠٤٦) والنسائي (١٤٣٠) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
ب. ويحتمل أن يكون معناه الدعاء، والصلاة في اللغة هي "الدعاء".
قال بدر الدين العيني رحمه الله:
فهذا دل على أن المراد من الصلاة: الدعاء، ومن القيام: الملازمة، والمواظبة، لا حقيقة القيام.
"عمدة القاري شرح البخاري" (٦/٢٤٢) .
فيكون معنى (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي) أي: وهو ملازم للدعاء.
فمن أراد أن يتحرى وقت الإجابة بعد العصر يوم الجمعة: فلذلك صور متعددة، منها:
١. أن يبقى بعد صلاة العصر لا يخرج من المسجد يدعو، ويتأكد ذلك منه في آخر ساعة من العصر، وهذه أعلى المنازل.
وكان سعيد بن جبير إذا صلى العصر لم يكلم أحداً حتى تغرب الشمس.
٢. أن يذهب إلى المسجد قبل المغرب بزمن، فيصلي تحية المسجد، ويدعو إلى آخر ساعة من العصر، وهذه أوسط المنازل.
٣. أن يجلس في مجلس – في بيته أو غيره – يدعو ربه تعالى في آخر ساعة من العصر، وهذه أدنى المنازل.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
من أراد إدراك الساعة الأخيرة من يوم الجمعة للدعاء وسؤال الله هل يلزم أن يكون في المكان الذي صلى فيه العصر، أم قد يكون في المنزل، أو في مسجد آخر؟ .
فأجاب:
"ظاهر الأحاديث الإطلاق، وأن من دعا في وقت الاستجابة: يُرجى له أن يجاب في آخر ساعة من يوم الجمعة، يُرجى له أن يجاب، وكن إذا كان ينتظر الصلاة في المسجد الذي يريد فيه صلاة المغرب: فهذا أحرى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَهُوَ قَائِمٌ يُصّلِّي) - رواه البخاري -، والمنتظر في حكم المصلي، فيكون في محل الصلاة أرجى لإجابته، فالذي ينتظر الصلاة في حكم المصلين، وإذا كان مريضاً وفعل في بيته ذلك: فلا بأس، أو المرأة في بيتها كذلك تجلس تنتظر صلاة المغرب في مصلاها، أو المريض في مصلاه ويدعو في عصر الجمعة يرجى له الإجابة، هذا هو المشروع، إذا أراد الدعاء يقصد المسجد الذي يريد فيه صلاة المغرب مبكراً فيجلس ينتظر الصلاة، ويدعو" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (٣٠ / ٢٧٠ , ٢٧١) .
وعلى هذا فما تفعله – أخي السائل - خطأ من وجهين:
أ. ظنك أن الصلاة في الحديث هي الصلاة ذات الركوع والسجود، وإنما معناها: انتظار الصلاة، أو ملازمة الدعاء كما سبق.
ب. إطالة السجدة الثانية في ركعتي تحية المسجد مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، حيث كان هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة أن أفعالها قريبة من السواء، وقد سبق في جواب السؤال رقم (١١١٨٨٩) أن إطالة السجدة الأخيرة في الصلاة من أجل الدعاء مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب