للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يجوز جلب حصى أو تراب من مزدلفة أو من الحرم؟

[السُّؤَالُ]

ـ[أديت فريضة الحج العام الماضي، وعندما كنا في مزدلفة أخذت صخرتين واحتفظت بهم، إلى الآن، فهل في هذا شيء؟ هل يجب عليَّ التخلص منهما؟ وكيف؟ هل تعد مزدلفة من الحرم؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

نسأل الله أن يتقبل حجك، وأن تكوني من المغفور لهم ذنوبهم، والذين رجعوا من حجهم بلا ذنب ولا إثم.

ثانياً:

" المزدلفة " من المشاعر، وهي في حدود الحرم، وقد سمَّاها الله تعالى في كتابه " المشعر الحرام " فقال: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) البقرة/١٩٨.

قال ابن حزم الأندلسي رحمه الله:

وأما مزدلفة: فهي المشعر الحرام، وهي من الحرم.

" المحلى " (٧ / ١٨٨) .

وقال النووي رحمه الله:

واعلم أن المزدلفة كلها من الحرم.

" شرح مسلم " (٨ / ١٨٧) .

ثالثاً:

لا ينبغي أخذ شيء من آثار مكة أو المدينة؛ لعدم ثبوت ذلك عن أحد من سلف هذه الأمَّة؛ لأن ذلك مظنة تعظيم هذه الآثار واعتقاد نفعها، وهو ما جاءت الشريعة بمحاربته، وإغلاق طرقه، نعم، لو كانت الوصية بإحضار ماء زمزم لكان ذلك جائزاً؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنه أخبرنا أنها ماء مباركة، وأن فيها شفاء بإذن الله، وأما ما عداها كترابٍ من عرفة، أو حصى من مزدلفة، أو ما يشبه ذلك: فليس لأحد حمله معه إلى بلاده.

وقد اختلف العلماء في حكم إخراج التراب والحجارة من الحرم إلى ثلاثة أقوال: الجواز، والكراهة، والتحريم، وإلى الجواز ذهب الحنفية، وإلى الكراهة ذهب بعض الشافعية، والتحريم هو قول جمهور الشافعية، وهو الذي لا ينبغي القول بغيره، إذا عُلم أن من يخرجه يريد التبرك به أو تعظيمه. لأن تراب الحرم وحجارته لا يُتبرك بها لا وهي في مكانها في الحرم، ولا هي خارجة عنه.

والخلاف المذكور بين العلماء إنما هو في مجرد الإخراج من الحرم، وليس في التبرك بها، والتعظيم لها.

قال الإمام الشافعي رحمه الله:

"لا خيرَ في أن يُخرج من حجارة الحرم، ولا ترابه شيء إلى الحل؛ لأنَّ له حرمة ثبتت بايَنَ بها ما سواها من البلدان، ولا أرى - والله تعالى أعلم - أن جائزاً لأحد أن يزيله من الموضع الذي باين به البلدان إلى أن يصير كغيره" انتهى.

" الأم " (٧ / ١٥٥) .

وقال ابن حزم رحمه الله:

"ولا يخرج شيء من تراب الحرم ولا حجارته إلى الحل، ... عن عطاء قال: يُكره أن يُخرج من تراب الحرم إلى الحل، أو يدخل تراب الحل إلى الحرم.

وهو قول ابن أبى ليلى، وغيره، ولا بأس بإخراج ماء زمزم؛ لأن حرمة الحرم إنما هي للأرض، وترابها، وحجارتها، فلا يجوز له إزالة حرمتها، ولم يأت في الماء تحريم" انتهى.

" المحلى " (٧ / ٢٦٢، ٢٦٣) .

وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

يريد أن يحج، ومحمل عدة وصايا، يقول: إنه قد طَلب منه مجموعة من الناس أن يأتي لهم بشيء من مكة، والمدينة، مثل حجر، أو ماء، أو قليل تراب، أو ما شابه ذلك، فكيف أصنع؟ .

فأجاب:

"هذه الوصايا التي أشار إليها، أن يأتي إلى من أوصوه بتراب، أو ماء، أو أحجار من الحرم: لا يلزمه أن يفي بها، وله أن يردها عليهم، ولو كانت وصاياهم بأن يدعو الله لهم في هذه المشاعر: لكان ذلك أولى وأجدر.

إذا استبدل هذه الوصايا بأن يدعو الله لهم في هذه المشاعر بما فيه خيرهم في دينهم ودنياهم: كان ذلك أولى، وأجدر، وأحسن" انتهى.

" فتاوى نور على الدرب ".

رابعاً:

من أخذ شيئا من تراب الحرم إلى خارجه فعليه أن يستغفر الله تعالى من فعله أولاً، ثم عليه أن يرجعه إلى أي بقعة في الحرم إن استطاع، ولا يجب أن يردَّه بنفسه، بل لو أعطاه لمن يوثق به ليرده: جاز له ذلك، فإن لم يستطع هذا ولا ذاك: فيضعها في أي مكان طاهر، وقد قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/ ٢٨٦.

جاء في " الموسوعة الفقهية " (١٧ / ١٩٥) :

"صرح الشافعية بحرمة نقل تراب الحرم، وأحجاره، وما عمل من طينه - كالأباريق وغيرها - إلى الحل، فيجب رده إلى الحرم" انتهى.

وقال الماوردي رحمه الله:

"فإن أخرج من حجارة الحرم، أو من ترابه شيئاً: فعليه ردُّه إلى موضعه، وإعادته إلى الحرم" انتهى.

" الحاوي في الفقه الشافعي " (٤ / ٣١٤) .

ونقله عنه النووي في " المجموع " (٧ / ٤٦٠) وأقرَّه.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>