يريد تقديم الحج ووالده يريد تقديم الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أكون عاقا لأبي للأسباب الآتية: ١- كان أبي رحمه الله يريد مني البدء في مشروع الزواج وكنت أرفض لأنني كنت أريد إكمال الدراسة العليا. ٢- المبلغ الذي وفرته كان يكفي البدء في المشروع (العقد فقط) مع العلم بأنني موظف. ٣-ثم لم أستطع السفر لإكمال الدراسة، فقررت بأن أدخل مشروعا صغيرا على أمل أن أجني منه مبلغا ثم الحج به، والمشروع مشترك بيني وبينه عبارة عن قطعة أرض مشتركة (وسعرها لا يفي بمبلغ الحج) كنا ننوي تغيير المسكن الذي نعيش فيه بسبب الأذى الذي نلقاه من الجيران هداهم الله. ٥-رفض أبي الحج بهذا المبلغ لأنه قال إنه مُلكي وليس من ماله. ٦- بعد النقاش (لم يثمر أي شيء) قلت سوف أحج أنا قال الزواج أولا. ٧-الآن بعد موته في رمضان يطالبوني بأن أنفذ ما أراد وأنا أقول لهم الحج أولا. ٨-الأرض الآن تؤتي المبلغ الكافي لإتمام فريضة الحج وقد انتهينا أنا وهو من سداد الدين (قيمة الأرض) قبل مماته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحج واجب على الفور في أصح قولي العلماء، كما هو مبين في الجواب رقم (٤١٧٠٢) ، وإذا كان المال الموجود يكفي إما للحج وإما للزواج، فإنه يقدم الزواج إذا كان محتاجاً إليه، ويخشى الوقوع في الحرام، ويقدم الحج إذا لم يكن محتاجاً إلى الزواج.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (٥/١٢) : " وَإِنْ احْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ , وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ (أي المشقة) , قَدَّمَ التَّزْوِيجَ , لأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ , وَلا غِنَى بِهِ عَنْهُ , فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ , وَإِنْ لَمْ يَخَفْ , قَدَّمَ الْحَجَّ ; لأَنَّ النِّكَاحَ تَطَوُّعٌ , فَلا يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجَّ الْوَاجِبِ " انتهى.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز تأجيل الحج إلى ما بعد الزواج للمستطيع، وذلك لما يقابل الشباب في هذا الزمن من المغريات والفتن صغيرة كانت أم كبيرة؟
فأجاب:
"لا شك أن الزواج مع الشهوة والإلحاح أولى من الحج لأن الإنسان إذا كانت لديه شهوة ملحة فإن تزوجه حينئذٍ من ضروريات حياته، فهو مثل الأكل والشرب، ولهذا يجوز لمن احتاج إلى الزواج وليس عنده مال أن يدفع إليه من الزكاة ما يُزوج به، كما يعطى الفقير ما يقتات به وما يلبسه ويستر به عورته من الزكاة.
وعلى هذا فنقول: إذا كان محتاجاً إلى النكاح فإنه يقدم النكاح على الحج لأن الله سبحانه وتعالى اشترط في وجوب الحج الاستطاعة فقال: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران / ٩٧. أما من كان شاباً ولا يهمه أن يتزوج هذا العام أو الذي بعده فإنه يقدم الحج لأنه ليس في ضرورة إلى تقديم النكاح " انتهى من "فتاوى منار الإسلام" (٢/٣٧٥) .
وعليه؛ فإن لم تخش على نفسك من تأخير الزواج، فبادر بالحج، والله يخلف عليك خيرا؛ لأن الحج فريضة عظيمة من فرائض الإسلام وشرائعه العظام.
ولا يلزمك تنفيذ مراد أبيك في هذه المسألة، لا في حياته ولا بعد مماته، لأنه يترتب عليه تأخير الحج من غير ضرورة لذلك.
ثانيا:
كان ينبغي أن ترضي أباك، وتقدم الزواج على إكمال الدراسة العليا، فقد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله ما ظاهره: أن النكاح يجب إذا أمر به أحد الوالدين.
قال المرداوي: هل يجب (يعني النكاح) بأمر الأبوين , أو بأمر أحدهما به؟ قال الإمام أحمد رحمه الله: إن كان له أبوان يأمرانه بالتزويج: أمرته أن يتزوج , أو كان شابا يخاف على نفسه العنت: أمرته أن يتزوج.
فجعل أمر الأبوين له بذلك بمنزلة خوفه على نفسه العنت" انتهى من "الإنصاف" (٨/١٤) .
ثالثا:
لا حرج على الأب فيما لو حج بمال ابنه، بل لا حرج على الإنسان أن يحج بمال غيره مطلقا، لكن من لم يحج حج الفريضة لعجزه عن تكاليف الحج هل يصير قادرا ببذل غيره المال له، وهل يلزمه قبول هذا المال ليحج؟ في ذلك خلاف بين الفقهاء.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا يلزمه الحج ببذل غيره له , ولا يصير مستطيعا بذلك , سواء كان الباذل قريبا أو أجنبيا , وسواء بذل له الركوب والزاد , أو بذل له مالا. وعن الشافعي أنه إذا بذل له ولده ما يتمكن به من الحج , لزمه ; لأنه أمكنه الحج من غير مِنّة تلزمه , ولا ضرر يلحقه , فلزمه الحج , كما لو ملك الزاد والراحلة.
ولنا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم يوجب الحج (الزاد والراحلة) , يتعين فيه تقدير ملك ذلك , أو ملك ما يحصل به , بدليل ما لو كان الباذل أجنبيا , ولأنه ليس بمالك للزاد والراحلة , ولا ثمنهما , فلم يلزمه الحج , كما لو بذل له والده , ولا نسلم أنه لا يلزمه مِنّة , ولو سلمناه فيبطل ببذل الوالدة , وبذل من للمبذول عليه أياد كثيرة ونِعَم " انتهى من "المغني" (٣/٨٧) .
وحاصل الجواب: أنه يلزمك المبادرة إلى الحج، ما لم تخف على نفسك الوقوع في الحرام بتأخير الزواج، وأن تستغفر الله تعالى من مخالفة والدك في أمر الزواج أولا.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب