للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إذا كرهت زوجها، فهل يكون زوجا لها في الجنة؟!

[السُّؤَالُ]

ـ[إذا كنت أكره زوجي ولا أصبر على أذيته إياي إلا لله، ثم لأجل مصلحة أطفالي، فهل سوف يكون زوجي في الجنَّة؟ حيث إن مما يهون عليَّ أن الدنيا مهما حصل فهي أيام قليلة وزائلة، وأنا لا أريده زوجاً في الجنَّة مهما حصل فيه من تغيير أو صلاح حاله. أرجو أن لا تقولوا إنه لا بد أن يكون زوجي في الجنَّة! أرجو الرد، وجزاكم الله خيراً.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

نسأل الله تعالى أن يكتب لك الأجر على صبرك على أذى زوجك، وهو إن دلَّ على شيء فإنما يدل على، أصل طيب، وخلقٍ عالٍ.

ونسأل الله أن يهدي زوجك، ويصلحه لك، ويعينه على إحسان عشرتك، ويأخذ بناصيته إليه.

ثانياً:

قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ. سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) الرعد/ ٢٢ – ٢٤.

قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -:

وقوله: (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) أي: يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء، والأهلين، والأبناء، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين؛ لتقر أعينهم بهم، حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى، من غير تنقيص لذلك الأعلى عن درجته، بل امتنانًا من الله وإحساناً.

" تفسير ابن كثير " (٤ / ٤٥١) .

وانظري جواب السؤال رقم: (٥٩٨١) .

ثالثاً:

واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أن دخول الناس الجنة لن يكون وهم على حالهم التي كانوا عليها في الدنيا، وقد ثبت في النصوص الواضحة البيِّنة أنه لا يدخل الجنة أحد وفي صدره غلٌّ، ولا يدخل الجنة أحد إلا ويهذَّب وينقَّى من كل سوء وشرٍّ.

قال تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) الحِجر/ ٤٧.

قال الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله -:

وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وَصَف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد، وغِمْرٍ، وعَداوة كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذا أدخلهموها على سُرُر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضاً على شيء خصَّ الله به بعضهم وفضّله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة.

" تفسير الطبري " (١٢ / ٤٣٧، ٤٣٨) .

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا) .

رواه البخاري (٢٣٠٨) .

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني – رحمه الله -:

(بقنطرة) الذي يظهر أنها طرف الصراط مما يلي الجنة، ويحتمل أن تكون من غيره بين الصراط والجنة.

وقوله (فيتقاصُّون) بتشديد المهملة: يتفاعلون، من القِصاص، والمراد به: تتبع ما بينهم من المظالم، وإسقاط بعضها ببعض.

وقوله (حتى إذا نُقوا) بضم النون، بعدها قاف، من التنقية، ووقع للمستملي هنا " تَقَصُّوا بفتح المثناة والقاف وتشديد المهملة، أي: أكملوا التقاص.

قوله (وهذبوا) أي: خلصوا من الآثام بمقاصصة بعضها ببعض.

" فتح الباري " (٥ / ٩٦) .

فاطمئني أختنا الفاضلة، فلن تكون أخلاق زوجك ما كانت عليه في الدنيا، ولن تكون حالكِ أنتِ – كذلك – على ما هي عليه، فكما سينقَّى زوجك ويُهذَّب: فإن الأمر نفسه سيحصل معك، فإذا قضى الله وجمعكما في الجنة، فسوف يكون اجتماعك به في الجنة على غير اجتماع الدنيا، بل اجتماع تشتهيه نفسك، ويريح بالك، ويقر عينك. قال الله تعالى:

(يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الزخرف:٧١، وقال تعالى: (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) فصلت:٣١، وقال تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة:١٧.

فليكن همك يا أمة الله أن تعملي ما يوصلك إلى الجنة، ويرفع فيها منزلتك، وثقي أن الجنة لا تعب فيها ولا نصب، ولا هم فيها ولا حزن!!

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>