للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أعطاه والده شقة ليستفيد من إيجارها فهل له الانتفاع بالإيجار بعد وفاته

[السُّؤَالُ]

ـ[لقد توفي والدي رحمة الله وكان رحمة الله قد اعطاني احدى الشقق في عمارته لأستفيد من اجارها فهل استمر في اخذ ريع الشقة بعد وفاته أم أن ريعها يصبح للورثة، علما بأنه أوصى وكيلة بأن استفيد من هذه الشقة حتى نهاية هذا العام؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

إذا كان الوالد قد أعطاك الشقة لتستفيد من إيجارها، فلا بد أن يكون قد أعطى جميع إخوتك مثل ما أعطاك، أو ما كان في مقداره وقيمته، وإلا وقع في الظلم؛ لوجوب العدل في العطية بين الأولاد.

فقد روى البخاري (٢٥٨٧) ومسلم (١٦٢٣) عن النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ (وهي أم النعمان) لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ لَا. قَالَ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ.

وَقد ذَهَبَ فُقهَاءُ الْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَطَاوُسٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِلَى وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الأَْوْلَادِ فِي الْهِبَةِ. فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِعَطِيَّةٍ، أَوْ فَاضَل بَيْنَهُمْ فِيهَا أَثِمَ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا رَدُّ مَا فَضَّل بِهِ الْبَعْضَ، وَإِمَّا إِتْمَامُ نَصِيبِ الآْخَرِ.

راجع: "الموسوعة الفقهية" (١١ / ٣٥٩)

فإذا كان قد أعطاهم مثل ما أعطاك فذاك، وإلا: فالواجب ترضيتهم، وطلب مسامحتهم والدهم؛ لأنه ظلمهم بإعطائك دونهم.

ولا يجوز لك أن تستمر في أخذ ريع الشقة بعد وفاته، والواجب ردها أو إيجارها ليقسم مع بقية الميراث بين الورثة، إلا إذا تراضيتم على شيء، أو أذن الورثة لك بأخذ ريعها، فلا بأس حينئذ بما تراضيتم عليه، بشرط مراعاة نصيب القصّر إن وجدوا.

سئل ابن عثيمين رحمه الله:

إذا تراضى ورثة الميت من زوجات وأولاد على أن لكل منهم ما تحت يده من أثاث وأوانٍ ونحوها، فما حكم ذلك؟ وإذا كان في الورثة قُصَّر فما الحكم؟

فأجاب: " لهم أن يتراضوا على ذلك، بعد إخراج الوصية , وأما القُصَّر فعلى وليهم أن يأخذ لهم بجانب الاحتياط، ولا يتبرع نيابة عنهم " انتهى.

"ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين" (ص / ١٠٨)

أما قولك: بأن والدك أوصى وكيله بأن تستفيد من هذه الشقة حتى نهاية العام:

فقد ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَلَاّ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا لِلْمُوصِي عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، إِذَا كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ آخَرُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُل ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) رواه أبو داود (٢٨٧٠) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

وَلأَِنَّ فِي إِيثَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الآْخَرِينَ ضَرَرًا يُؤَدِّي إِلَى الشِّقَاقِ وَالنِّزَاعِ، وَقَطْعِ الرَّحِمِ وَإِثَارَةِ الْبَغْضَاءِ وَالْحَسَدِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ.

وَمَعْنَى الأَْحَادِيثِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ لَا تَنْفُذُ مَهْمَا كَانَ مِقْدَارُ الْمُوصَى بِهِ، إِلَاّ بِإِجَزَةِ الْوَرَثَةِ

فَإِنْ أَجَازَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ: فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ، إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ.

"الموسوعة الفقهية" (٤٣ / ٢٤٦-٢٤٧)

وعلى ذلك: فلا تصح الوصية لك بذلك إلا أن يجيز الورثة، فإن أجازوا وكان فيهم قُصّر فالواجب على وليهم أن يستخلص لهم حقهم الشرعي من الميراث، فلا يجيز كما أجازوا.

وإن لم يجيزوا رُدّت للقسم.

راجع جواب السؤال: (١١٩٦٥٥) .

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>