اقتناء الحمام وتربيته
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أثراً في مسند أحمد بإسناد صحيح عن الحسن البصري أنه قال: (شهدت عثمان يأمر في خطبته بقتل الكلاب وذبح الحمام) . فهل معنى هذا أنه علينا أن نذبح الحمام ولا نربيه؟ أرجو تفسير هذا الأثر. وما مدى صحة أن هذه الهواية كانت لقوم لوط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
وردت عدة أحاديث في ذم اقتناء الحمام وتربيته، لم يصح منها إلا حديث واحد، وهو: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَتْبَعُ حَمَامَةً فَقَالَ: (شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانَةً) . رواه أبو داود (٤٩٤٠) ، وحسنه ابن القيم في "زاد المعاد" (٤/٣٥١) ، والشيخ الألباني في "صحيح أبي داود"، وحسنه محققو مسند أحمد (٢/٣٤٥) .
قال في عون المعبود:
" (فَقَالَ شَيْطَان يَتْبَع شَيْطَانَة) : إِنَّمَا سَمَّاهُ شَيْطَانًا لِمُبَاعَدَتِهِ عَنْ الْحَقّ، وَاشْتِغَاله بِمَا لَا يَعْنِيه، وَسَمَّاهَا شَيْطَانَة لِأَنَّهَا أَوْرَثَتْهُ الْغَفْلَة عَنْ ذِكْر اللَّه" انتهى.
ولم يصح في الحمام شيء مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا.
قال ابن القيم رحمه الله:
" أحاديث الحَمَام لا يصح منها شيء " انتهى.
ثم ذكر استثناء حديث أبي هريرة السابق. "المنار المنيف" (رقم/١١٩) .
ومن الأحاديث الموضوعة في ذم اتخاذ الحمام: (عشر خصال عملها قوم لوط بها أهلكوا ... وذكر منها: ولعبهم بالحمام) ، ولكن في سند هذا الحديث بعض الرواة الكذابين، انظر "السلسلة الضعيفة" (١٢٣٣) .
وقد ورد عن بعض السلف من الصحابة والتابعين ذم اللعب بالحمام، والأمر بقتله، كعثمان بن عفان وابراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز.
وقد بين العلماء أن المقصود بهذه الآثار ذم حالات مخصوصة من اتخاذ الحمام وتربيته، وهي:
١- من يتخذ الحمام سبيلا للوقوف على أسطح المنازل، واتباع عورات الناس وكشف بيوتهم.
٢- من يؤذي بحمامه الجيران، فتأكل زروعهم، أو تسقط الحجارة على بيوتهم إذا رماها صاحب الحمام لزجر حمامه.
٣- من يسرق بحمامه حمام الناس بإغرائها وإطعامها.
٤- من يشتغل بالحمام عن الواجبات والطاعات.
قال الإمام البيهقي رحمه الله:
" حمله بعض أهل العلم – يعني الذم السابق - على إدمان صاحب الحمام على إطارته، والاشتغال به، وارتقائه السطوح التي يشرف بها على بيوت الجيران وحُرمِهِم لأجله " انتهى.
"شعب الإيمان" (٥/٢٤٥) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" اللعب بالحمام منهي عنه، ... ومَن لعب بالحمام فأشرف على حريم الناس أو رماهم بالحجارة فوقعت على الجيران فإنه يعزر على ذلك تعزيرا يردعه عن ذلك، ويمنع من ذلك، فإن هذا فيه ظلم وعدوان على الجيران؛ مع ما فيه من اللعب المنهي عنه " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (٣٢/٢٤٦) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
" وعليه – يعني ولي الأمر - أن يمنع اللاعبين بالحمام على رؤوس الناس، فإنهم يتوسلون بذلك إلى الإشراف عليهم، والتطلع على عوراتهم " انتهى.
"الطرق الحكمية".
أما من يتخذ الحمام ليكاثرها ويبيعها فينتفع بثمنها، أو للأكل، أو للأنس بها، أو غير ذلك من الحاجات التي تقوم لدى الناس فلا حرج عليه إن شاء الله.
قال البهوتي الحنبلي رحمه الله:
"ويباح اقتناء الحمام للأنس بصوتها أو لاستفراخها ولحمل كتب " انتهى.
"شرح منتهى الإرادات" (٣/٥٩٢) .
وانظر جواب السؤال رقم: (١١١٩٥١) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب