وقت الفجر الصادق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الطرق التي أستطيع بها معرفة الفجر الصادق؟ أجتهد صباحاً في تحري الفجر الصادق , وذلك لمعرفة وقت الصلاة والإمساك، وذلك لي ولأصدقائي، لأني أقيم في الصين , والمسلمون هنا يعتمدون التوقيت من الإنترنت , لكنه غير دقيق، وبناء عليه فهم يصلون الفجر قبل دخول الوقت، ولكن فيما لو لم أستطع ضبط التوقيت بشكل صحيح (لأني أقربه إلى حين ذهاب العتمة وظهور الضوء) ، فهل عليَّ إثم في ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على تحريك الحق والصواب في عبادتك، ونسأله تعالى أن يوفقك ويزيدك من فضله على حبك للعلم وحرصك على التعلم.
واعلم أن الفجر فجران: فجر كاذب لا يدخل معه وقت صلاة الفجر، ولا يمنع من الطعام والشراب والجماع لمن أراد الصوم، وفجر صادق، وهو الذي يدخل معه وقت صلاة الفجر، ويمنع من الطعام والشراب والجماع في الصيام، وهو المقصود بقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/١٨٧.
وقد صرَّح النبي صلى الله عليه وسلم بالفرق بينهما في أحاديث كثيرة، بعضها في التفريق بينهما من حيث الأوصاف، وبعضها الآخر من حيث التفريق بينهما في الأحكام، وبعضها جمعت بين الأوصاف والأحكام.
انظر هذه الأحاديث في جواب السؤال رقم (٢٦٧٦٣) .
وقد جاء التفريق واضحاً بين الفجرين في كلام الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من أئمة العلم.
قال ابن كثير رحمه الله:
"وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال: سمعت ابن عباس يقول: هما فجران، فأما الذي يسطع في السماء: فليس يُحِلّ ولا يحرِّم شيئاً، ولكن الفجر الذي يستبين على رؤوس الجبال هو الذي يحرّم الشراب.
قال عطاء: فأما إذا سطع سطوعاً في السماء - وسطوعه أن يذهب في السماء طولاً -: فإنه لا يحرم به شراب لصيام ولا صلاة، ولا يفوت به حج، ولكن إذا انتشر على رؤوس الجبال: حرم الشراب للصيَّام، وفات الحج.
وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس وعطاء، وهكذا رُوي عن غير واحد من السلف رحمهم الله".
" تفسير ابن كثير " (١ / ٥١٦)
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"وجملته: أن وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعاً، وقد دلَّت عليه أخبار المواقيت، وهو البياض المستطير المنتشر في الأفق، ويسمَّى " الفجر الصادق "؛ لأنَّه صدقك عن الصبح وبيَّنه لك، والصبح ما جمع بياضاً وحمْرة، ومنه سمِّي الرجل الذي في لونه بياض وحمرة: "أصبح"
فأما الفجر الأول: فهو البياض المستدق صعداً من غير اعتراض فلا يتعلق به حكم، ويسمَّى " الفجر الكاذب " ثم لا يزال وقت الاختيار إلى أن يسفر النهار.
" المغني " (١ / ٢٣٢) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"وذكر العلماء أن بينه - أي: الفجر الكاذب - وبين الثاني ثلاثة فروق:
الفرق الأول: أن الفجر الأول ممتد لا معترض، أي: ممتد طولاً من الشرق إلى الغرب، والثاني: معترض من الشمال إلى الجنوب.
الفرق الثاني: أن الفجر الأول يظلم، أي: يكون هذا النور لمدة قصيرة ثم يظلم، والفجر الثاني: لا يظلم بل يزداد نوراً وإضاءة.
الفرق الثالث: أن الفجر الثاني متصل بالأفق ليس بينه وبين الأفق ظلمة، والفجر الأول منقطع عن الأفق بينه وبين الأفق ظلمة.
وهل يترتب على الفجر الأول شيء؟ لا يترتب عليه شيء من الأمور الشرعيَّة أبداً، لا إمساك في صوم، ولا حل صلاة فجر، فالأحكام مرتبة على الفجر الثاني" انتهى.
" الشرح الممتع " (٢ / ١٠٧، ١٠٨) .
ثانياً:
وأما ما يوجد في التقاويم فإنه ليس مصدر ثقة في معرفة وقت صلاة الفجر، فقد ثبت خطأ هذه التقاويم.
فالواجب عليكم عدم اعتماد التقاويم في معرفة صلاة الفجر، وعليكم تحري الوقت الصحيح بما ذكرناه لك من فروق بين الفجر الكاذب والصادق، وإذا لم تستطع النظر في كل يوم في السماء: فإنه يمكنك وضع وقت احتياطي بعد أذان التقويم، وبلادنا يختلف فيها هذا الوقت من بلد لآخر، ومن فصل لآخر، فيمكنك اعتماد وقت " نصف ساعة " مثلاً لتصلي فيه الفجر، على أن تحتاط في الإمساك عن الطعام والشراب قبل ذلك.
ويمكنكم وضع تقويم صحيح لتعتمده الأجيال بعدكم بعد أن تتحروا الفجر الصادق خلال عام كامل، وفي أوقات متفرقة، عسى أن يكتب لكم أجر تصحيح عبادات المسلمين.
وعلى هذا، فإذا أمكنكم متابعة وقت الفجر بأنفسكم، فإنكم تعملون بذلك في الصلاة والصيام، وإن لم يمكن، فإنكم لا تصلون حتى يغلب على ظنكم دخول وقت الصلاة.
وأما في الصيام فلكم أن تأكلوا وتشربوا حتى تتيقنوا طلوع الفجر، لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) البقرة/١٨٧.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" فما دام لم يتيقن أن الفجر قد طلع فله الأكل ولو كان شاكاً حتى يتيقن" انتهى.
"فتاوى الصيام" (ص٢٩٩) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب