إذا ظلم من قبل أهله وإخوانه هل له أن يقتصر في معاملتهم على السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ظلم المرء من قبل أهله، وإخوانه، وأصروا على موقفهم فهل له أن يقلل احتكاكه بهم، فقط سلام، فهل يجوز ذلك أم يعتبر من الهجر المنهي عنه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلة المرأة لرحمها من الإخوة والأخوات، أمر مؤكد شرعا؛ لما جاء في الكتاب والسنة من الأمر بصلة الرحم، وتحريم قطعها، وهذه الصلة تتحقق بالزيارة والاتصال والسؤال، حسب قدرة الإنسان واستطاعته.
وينبغي ألا تقصري في هذه القُربة العظيمة، وألا يدفعك إلى ذلك جفاء الإخوة أو ظلمهم لك، فإنك مثابة مأجورة على صلتك، ولو قصروا معك، وقد روى مسلم (٢٥٥٨) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: (لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ) .
ومعنى (تسفهم المل) : أي تطعمهم الرماد الحار. وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم، بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم. وقيل المعنى: أن ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم.
لكن إن كانت مخالطتهم يحصل بها الأذى، وتزيد بها النفرة، فيمكنك الاقتصار على السلام، وتقليل الزيارة والكلام.
والسلام يقطع الهجر المنهي عنه، ويرفع الإثم.
روى البخاري (٦٢٣٧) ومسلم (٢٥٦١) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا، وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) .
قال ابن عبد البر: " واختلفوا في المتهاجرَيْن يسلم أحدهما على صاحبه أيخرجه ذلك من الهجرة أم لا؟ فروى ابن وهب عن مالك أنه قال: إذا سلم عليه فقد قطع الهجرة، وكأنه والله أعلم أخذ هذا من قوله صلى الله عليه وسلم: (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) أو من قول من قال: يجزىء من الصَّرْم [القطع] السلام.
وقال أبو بكر الأثرم: قلت لأحمد بن حنبل: إذا سلم عليه هل يجزيه ذلك من كلامه إياه؟ فقال: ينظر في ذلك إلى ما كان عليه قبل أن يهجره، فإن كان قد علم منه مكالمته والإقبال عليه فلا يخرجه من الهجرة إلا سلام ليس معه إعراض ولا إدبار.
وقد روى هذا المعنى عن مالك" انتهى من "التمهيد" (٦/١٢٧) .
وقال النووي في "شرح مسلم": " (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) : أي هو أفضلهما، وفيه دليل لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجرة ويرفع الإثم فيها ويزيله" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب