للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل الكي بالكهرباء مثل الكي بالنار وينافي التوكل؟

[السُّؤَالُ]

ـ[هل الكي بالنار يأخذ حكم الكي بالكهرباء في من يرجو أن يكون في السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

جاء في الصحيحين من حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) رواه البخاري (٦٤٧٢) ومسلم (٢١٨) واللفظ له.

وهذا يدل على أن طلب الرقية والكي مما ينافي التوكل.

والاكتواء المنافي للتوكل هو ما كان لدفع المرض والبلاء قبل حصوله، كما كان أهل الجاهلية يفعلونه، وأما التداوي به بعد حدوث المرض، فلا ينافي التوكل؛ لكنه مكروه لما فيه من التعذيب بالنار، وهذه الكراهة تزول عند الحاجة، وقد كوى النبي صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة رضي الله عنه، وأخبر أن الشفاء في ثلاثة وذكر منها الكي.

قال ابن القيم رحمه الله: " فقد تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع: أحدها: فعله، والثاني: عدم محبته له، والثالث: الثناء على من تركه، والرابع: النهي عنه، ولا تعارض بينها بحمد الله تعالى فإنّ فعله يدل على جوازه، وعدم محبته له لا يدل على المنع منه، وأما الثناء على تاركه فيدل على أن تركه أولى وأفضل، وأما النهي عنه فعلى سبيل الاختيار والكراهة أو عن النوع الذي لا يحتاج إليه بل يفعل خوفا من حدوث الداء والله أعلم " انتهى."زاد المعاد" (٤/٦٤) .

وقال ابن قتيبة رحمه الله في بيان الكي المنافي للتوكل:

" والكي جنسان: أحدهما كي الصحيح لئلا يعتل، كما يفعل كثير من أمم العجم فإنهم يكوون ولدانهم وشبانهم من غير علة بهم، يرون أن ذلك الكي يحفظ لهم الصحة ويدفع عنهم الأسقام ... وكانت العرب تذهب هذا المذهب في جاهليتها وتفعل شبيها بذلك في الإبل إذا وقعت النُّقبة فيها وهو جرب، أو العُرُّ وهو قروح تكون في وجوهها ومشافرها، فتعمد إلى بعير منها صحيح فتكويه ليبرأ منها ما به العر أو النقبة، وقد ذكر ذلك النابغة في قوله للنعمان:

فحمَّلْتني ذنبَ امرئ وتركته كذي العُرِّ يُكوى غيره وهو راتعُ

وهذا هو الأمر الذي أبطله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال فيه: (لم يتوكل من اكتوى) لأنه ظن أن اكتواءه وإفزاعه الطبيعة بالنار وهو صحيحٌ يدفع عنه قدر الله تعالى، ولو توكل عليه وعلم أن لا منجي من قضائه لم يتعالج وهو صحيح، ولم يكو موضعا لا علة به ليبرأ العليل.

وأما الجنس الآخر فكي الجرح إذا نغل وإذا سال دمه فلم ينقطع، وكي العضو إذا قطع أو حسمه، وكي عروق من سقي بطنه وبدنه ... وهذا هو الكي الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم إن فيه الشفاء، وكوى أسعد بن زرارة لعلة كان يجدها في عنقه وليس هذا بمنزلة الأمر الأول، ولا يقال لمن يعالج عند نزول العلة به لم يتوكل، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتعالج وقال لكل داء دواء، لا على أن الدواء شاف لا محالة وإنما يُشرب على رجاء العافية من الله تعالى به؛ إذ كان قد جعل لكل شيء سببا " انتهى.

"تأويل مختلف الحديث" (ص ٣٢٩) .

والذي يظهر أن الكي بالكهرباء كالكي بالنار، فيكره لما فيه من التعذيب، إلا عند الحاجة إليه، ومن اكتوى قبل حدوث الداء فقد شابه أهل الجاهلية، وكان فعله منافيا للتوكل.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>