للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المصلون في مسجده يفعلون بدعاً ومخالفات فكيف السبيل لنصحهم؟

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا طالب أدرس في بلد أجنبي كافر، والمسلمون فيها أقلية، ومستضعفون , يوجد بالقرب منِّي مسجد، المصلون فيه يفتقدون الإمام , وهم يُسرُّون حينما أكون إماماً لهم , خاصة أني عربي، وأتقن اللغة العربية , وبعد كل فرض يقومون بالذكر الجماعي، ثم الدعاء الجماعي، وهذا مخالف لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي بدعة , ولكن أخاف إذا نهيتهم عن ذلك أن ينفروا مني، ويغضبوا , ماذا أفعل في هذه الحالة؟ هل يجوز أن ألازمهم من أجل تأليف قلوبهم وتأملاً في إفادتهم، لقد أحسست أنهم يفتقرون للعلم الصحيح والسنَّة، وأرى أني أستطيع إفادتهم ببعض الأمور، عسى الله أن يفتح قلوبهم ويتقبلوا المنهج الصحيح في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

قد أحسنتَ بسؤالك قبل أن تفعل ما يُمكن أن يؤثر سلباً على أولئك المصلين، بل ويرتد أثر ذلك عليك، في صلاتك خاصة، وعموم حياتك.

ومن أعظم صفات الداعية إلى الله: العلم، والحكمة، وبهما يستطيع الداعية تحقيق ما يعجز عنه كثيرون ممن فقدوا نعمة العلم، أو سُلبت منهم الحكمة وحسن التصرف مع المخالفين.

وليست الحكمة تعني التمييع، ولا التنازل عن شيء من الحق، بل هي سلوك طريق يصل بالمرضى من الجهلة والمبتدعة إلى بر العلم والسنَّة.

والداعية الحكيم يعلم أن هؤلاء المصلين يرجعون في فتاواهم إلى أئمة وعلماء يثقون بدينهم وعلمهم، فكيف يريد منهم الانتقال عنهم إليه هكذا مباشرة، ودون مقدمات؟! .

وليعلم الداعية إلى الله أن مفاجأة الناس بالسنَّة التي يجهلونها، والإنكار عليهم بما يفعلونه: قد يسبِّب بغضاً للسنَّة وأهلها من قبَلهم، وهو ما يصنع الحواجز بين الدعاة وبعض الناس في تعليمهم وتبيين السنَّة لهم، ولا يعني هذا ترك نصحهم، وإنما المراد التدرج في دعوتهم.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في شرح كلام علي بن أبي طالب: " حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله " رواه البخاري -:

قوله في أثر علي رضي الله عنه: " حدِّثوا النَّاس "، أي: كلِّموهم بالمواعظ وغير المواعظ.

قوله: " بما يعرفون "، أي: بما يمكن أن يعرفوه، وتبلغه عقولهم؛ حتى لا يفتنوا، ولهذا جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: " إنك لن تحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة " - رواه البخاري -

ولهذا كان من الحكمة في الدعوة ألا تباغت الناس بما لا يمكنهم إدراكه، بل تدعوهم رويداً، رويداً، حتى تستقر عقولهم، وليس معنى " بما يعرفون "، أي: بما يعرفون من قبل؛ لأن الذي يعرفونه من قبل يكون التحديث به من تحصيل الحاصل.

قوله: " أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟! " الاستفهام للإنكار، أي: أتريدون إذا حدثتم الناس بما لا يعرفون أن يكذب الله ورسوله، لأنك إذا قلت: قال الله، وقال رسوله: كذا وكذا، قالوا: هذا كذب، إذا كانت عقولهم لا تبلغه، وهم لا يكذِّبون الله ورسوله، ولكن يكذبونك، بحديث تنسبه إلى الله، ورسوله، فيكونون مكذِّبين لله ورسوله، لا مباشرة، ولكن بواسطة الناقل.

فإن قيل: هل ندع الحديث بما لا تبلغه عقول الناس وإن كانوا محتاجين لذلك؟ .

أجيب: لا ندعه، ولكن نحدثهم بطريقة تبلغه عقولهم، وذلك بأن ننقلهم رويداً، رويدا، حتى يتقبلوا هذا الحديث، ويطمئنوا إليه، ولا ندع ما لا تبلغه عقولهم، ونقول: هذا شيء مستنكر لا نتكلم به.

ومثل ذلك: العمل بالسنَّة التي لا يعتادها الناس ويستنكرونها، فإننا نعمل بها، ولكن بعد أن نخبرهم بها، حتى تقبلها نفوسهم، ويطمئنوا إليها.

ويستفاد من هذا الأثر: أهمية الحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل، وأنه يجب على الداعية أن ينظر في عقول المدعوين، وينزِّل كلَّ إنسانٍ منزلته.

" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (١٠ / ٧٧٤، ٧٧٥) .

فعليك أن تسلك سبيل الحكمة في دعوة هؤلاء لترك الذِّكر الجماعي، وما يفعلونه من بدع أخرى، وما يتركونه من السنن، ونرى أن تفعل ما يلي:

١. المداومة على صلاة الجماعة بهم إماماً، وأن تتقرب لقلوبهم من خلال الإمامة، ولا تتركها لغيرك فيستولي على صلاتهم واعتقادهم.

٢. لا تشارك معهم في ذِكرهم، وبدعهم؛ مع التوكيد على ضرورة بقائك في مجلس الصلاة للإتيان بالذكر الشرعي وحدك.

٣. إعطاؤهم الدروس اليومية بجزء يسير من الوقت؛ ليكون طريقاً لقطع بدعتهم؛ وسبيلاً لدعوتهم وتعليمهم.

٤. التركيز على تعظيم السنَّة، وتعظيم اتباع الدليل، وذِكر نماذج من الصحابة والتابعين والأئمة الأعلام، وخاصة من ترى أنهم يعظمونهم ويحبونهم.

٥. ترك التعرض لبدعتهم مباشرة، وترك التعرض لأئمتهم وعلمائهم الذين يتبعون قولهم من المعاصرين.

٦. الاهتمام برؤسائهم وعقلائهم الذين لهم تأثير عليهم، وبذل الجهد معهم أكثر من غيرهم.

٧. تفقدهم بين الفينة والأخرى بالهدايا، كالكتب، والأشرطة، والمطويات، مع الاهتمام بإكرامهم بما يتيسر لك من الطعام والشراب.

٨. مشاركتهم في مناسباتهم المباحة، والتقرب إليهم بحسن الخلق.

وهذا ليس لك وحدك، بل هو لكل داعية يريد النجاح في مجتمع تكثر فيه البدعة، ويقل فيه تعظيم السنَّة واتباعها.

ولا تنس الاستعانة بالله تعالى في دعوتك، وأن تكون مخلصاً بها، تريد وجه الله تعالى، وأن تجعل نصب عينيك أن هؤلاء مرضى يحتاجون لدواء أنت تملكه، وهم لا يعرفون أنهم مرضى، فكيف ستوصل لهم الدواء بحكمة؟! .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>