حكم شراء البضاعة المسروقة وانتقالها لغير المشتري
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي اشترى ماكينات من كافر مع علمه بأنها مسروقة، فما رأي الشرع في ذلك؟ وما حكم الشرع في مال أخذته منه واستعملته في التجارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز شراء البضائع المسروقة – ولو سرقت من كفار -، وهي من المال المحرَّم لعينه، والذي لا يحل لأحدٍ أن يتملكه ولو بطريق مشروعة كالشراء والهبة والميراث.
والواجب على من علم أن ما سيشتريه مسروق أن يُنكر على السارق، ويأمره بالتوبة من السرقة، ورد البضاعة إلى أصحابها، وأن يحاول إرجاع البضاعة إلى أصحابها إن تمكن من ذلك وعلِم أعيانهم، أو يخبرهم بمكان بضاعتهم المسروقة، أو يخبر الجهات المسئولة عن ذلك.
ومن اشترى بضاعة وهو يعلم أنها مسروقة: أثِم، ومن تمام توبته إرجاع البضاعة لأصحابها، والرجوع بالثمن على من باعه إياها.
والشراء من السارق فيه إعانة على الإثم والعدوان، وتشجيع للسارق بالاستمرار على فعله، وفيه ترك لإنكار المنكر، كما أن من شروط صحة البيع ملك البائع لما يبيعه، فإن كان سارقاً فهو غير مالك، وهذا موجب لبطلان العقد.
وهذه فتاوى أهل العلم فيما سبق:
١. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" الأموال المغصوبة والمقبوضة بعقود لا تباح بالقبض إن عرفه المسلم: اجتنبه، فمن علمتُ أنه سرق مالاً، أو خانه في أمانته، أو غصبه فأخذه من المغصوب قهراً بغير حق: لم يجز لي أن آخذه منه، لا بطريق الهبة، ولا بطريق المعاوضة، ولا وفاء عن أجرة، ولا ثمن مبيع، ولا وفاء عن قرض، فإن هذا عين مال ذلك المظلوم " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (٢٩ / ٣٢٣) .
٢. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً:
"وإن كان الذي معهم – أي: التتار - أو مع غيرهم أموال يعرف أنهم غصبوها من معصوم: فتلك لا يجوز اشتراؤها لمن يتملكها، لكن إذا اشتُريت على طريق الاستنقاذ لتصرف في مصارفها الشرعية فتعاد إلى أصحابها إن أمكن، وإلا صرفت في مصالح المسلمين: جاز هذا" انتهى.
" مجموع الفتاوى " (٢٩ / ٢٧٦) .
٣. وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"إذا تيقن الإنسان من كون السلعة المعروضة للبيع أنها مسروقة، أو مغصوبة، أو أن مَن يعرضها لا يملكها ملكاً شرعيّاً، وليس وكيلاً في بيعها: فإنه يحرم عليه أن يشتريها؛ لما في شرائها من التعاون على الإثم والعدوان، وتفويت السلعة على صاحبها الحقيقي؛ ولما في ذلك من ظلم الناس، وإقرار المنكر، ومشاركة صاحبها في الإثم، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/٢.
وعلى ذلك ينبغي لمن يعلم أن هذه السلعة مسروقة أو مغصوبة أن يقوم بمناصحة من سرقها برفق ولين وحكمة ليرجع عن سرقته، فإن لم يرجع وأصر على جرمه: فعليه أن يبلغ الجهات المختصة بذلك ليأخذ الفاعل الجزاء المناسب لجرمه، ولرد الحق إلى صاحبه، وذلك من باب التعاون على البر والتقوى؛ ولأن في ذلك ردعا للظالم عن ظلمه، ونصرة له وللمظلوم.
ولذلك ثبت في الحديث الذي رواه أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) قالوا: يا رسول الله: هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال: (تأخذ فوق يديه) أخرجه البخاري في صحيحه وأخرج الإمام أحمد في " المسند " نحوه، وفي رواية أخرى: فقال رجل: يا رسول الله: أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: (تحجزه عن الظلم، فإن ذلك نصره) .
وعلى ذلك: فإن نصر الظالم بردعه عن ظلمه، واعتدائه، ونصر المظلوم بالسعي في رد حقه عليه، ومنع الظالم من تمكينه من إيذائه هو فرض كفاية، فإذا لم يوجد من يقوم بذلك بصفة رسمية، أو من هو أقوى منه في الأخذ على يد الظالم والعاصي لله، وردعه عن ظلمه وجرمه: تعين الأمر عليه حسب قدرته واستطاعته، مع الرفق واللين، وله الأجر والثواب على ذلك، إن شاء الله تعالى" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (١٣ / ٨٢، ٨٣) .
٤. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
عُرض عليَّ سلعة اتضح لي أنها مسروقة، غير أن الذي عرضها عليَّ لم يكن هو السارق وإنما اشتراها من شخص آخر اشتراها من السارق، إذا اشتريتها مع علمي بذلك: فهل أكون آثماً، مع أني لا أعلم صاحبها الذي سرقت منه؟
فأجاب:
"الذي يظهر من الأدلة الشرعية: أنه لا يجوز لك شراؤها إذا اتضح لك أو غلب على ظنك أنها مسروقة؛ لقول الله سبحانه: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ؛ ولأنك تعلم أو يغلب على ظنك أن البائع ليس مالكاً لها شرعاً، ولا مأذوناً له شرعاً في بيعها، فكيف تعينه على ظلمه فتأخذ مال غيرك بغير حق، نعم إذا أمكن شراؤها للاستنقاذ وردها إلى مالكها: فلا بأس، إذا لم يتيسر أخذها بالقوة، وعقوبة الظالم، أما إذا أمكن أخذها بالقوة وعقوبة الظالم بعقوبته الشرعية: فهذا هو الواجب للأدلة المعلومة من الحديث (انصر أخاك ظالما أو مظلوماً ... ) الحديث" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (١٩ / ٩١، ٩٢) .
ثانياً:
وأما أخذك المال من والدك فلا حرج في ذلك، لأن من اختلط ماله، فكان فيه الحرام والحلال لا حرج من معاملته بالبيع والشراء والهبة والقرض ونحو ذلك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع اليهود وهم أكلة الربا والمال الحرام.
ولكن إذا كان المال الذي تأخذه من والدك هو نفس المال المسروق فإن هذا لا يحل لوالدك ولا لك.
وأخيرا.. ينبغي عليك نصح والدك بتحري الحلال وتجنب الحرام فإن كل جسم نبت من حرام فالنار أولى به.
نسأل الله تعالى أن يغنيكم بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب