للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يصلي خلف من يجهل عقيدته وفي الولاية متصوفة وشيعة؟

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا لا أصلي الجمعة مع الجماعة حيث إنني مبتعث لدولة أجنبية المسلمون في هذه الولاية قلة وفيهم الشيعة والمتصوفون , وأنا لا أعلم عن حال الإمام إن كان مسلما سنيا أو لا , فما حكم تركي للصلاة معهم؟ مع العلم بأن المسجد بعيد ولا أسمع الأذان.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

صلاة الجماعة واجبة على من سمع الأذان، فإذا كان بيتك بعيداً عن المسجد بحيث لا تسمع الأذان إذا رفع المؤذن صوته من غير مكبر للصوت، مع سكون الرياح والضوضاء ونحو ذلك مما يؤثر على السماع فلا يجب عليك حضور صلاة الجماعة في المسجد.

وقد سبق بيان هذا في السؤال رقم (٢١٩٦٩) ، والسؤال رقم (٢٠٦٥٥) .

وأما صلاة الجمعة فقد أجمع العلماء على أنها واجبة على كل من كان في المدينة من الرجال، سواء سمع النداء أو لا، ومهما تباعدت أطراف المدينة.

وانظر بيان هذا في جواب السؤال: (٣٩٠٥٤) .

ثانياً:

ما دام الإمام مسلما في الظاهر، فلا يجوز ترك الجمعة والجماعة خلفه لاحتمال كونه شيعيا أو صوفيا، إلا أن تمكن إقامة الجمعة والجماعة – من غير فتنة - خلف غيره ممن هو معروف بالاستقامة وصحة المنهج، فالصلاة خلف هذا أولى وأفضل.

والأصل إحسان الظن بالمسلم، وعدم القدح في دينه ومنهجه بغير قادح معلوم، كما أن القول الراجح صحة الصلاة خلف كل من حكمنا بإسلامه، ما لم يقع في أمور مكفرة، كاعتقاد تحريف القرآن الكريم، أو تكفير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو دعاء الأموات والاستغاثة بهم، فهذا لا يصلى خلفه.

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الصلاة خلف المرازقة وعن بدعتهم؟

فأجاب: " يجوز للرجل أن يصلى الصلوات الخمس والجمعة وغير ذلك خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين، وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه، ولا أن يمتحنه فيقول: ماذا تعتقد؟ بل يصلى خلف مستور الحال، ولو صلى خلف من يعلم أنه فاسق أو مبتدع ففي صحة صلاته قولان مشهوران في مذهب أحمد ومالك، ومذهبُ الشافعي وأبى حنيفة الصحة.

... ولو علم المأموم أن الإمام مبتدع يدعو إلى بدعته، أو فاسق ظاهر الفسق، وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه كإمام الجمعة والعيدين، والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك، فان المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف، وهو مذهب أحمد والشافعي وأبى حنيفة وغيرهم.

ولهذا قالوا في العقائد: إنه يصلى الجمعة والعيد خلف كل إمام برا كان أو فاجرا، وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد فإنها تصلى خلفه الجماعات، فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده وإن كان الإمام فاسقا، هذا مذهب جماهير العلماء، أحمد بن حنبل والشافعى وغيرهما، بل الجماعة واجبة على الأعيان في ظاهر مذهب أحمد. ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع عند الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة ...

والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها، فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار، ولا يعيدون، كما كان ابن عمر يصلى خلف الحجاج، وابن مسعود وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة، وكان يشرب الخمر ... والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كَرِهَ مَنْ كَرِهَ الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب، ومن ذلك أن من أظهر بدعة أو فجورا لا يُرتّب إماما للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب، فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه، وصلى خلف غيره أثّر ذلك حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه، فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان فيه مصلحة، ولم يفت المأموم جمعة ولا جماعة، وأما إذا كان ترك الصلاة يفوّت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يَترك الصلاة خلفهم إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (٢٣/٣٥١- ٣٥٦) .

وسئل علماء اللجنة الدائمة: ما حكم أكل اللحوم عندما يكون الذابح مجهول العقيدة والصلاة وراءه؟

فأجابوا: " إذا كان المسلم ظاهرا، مجهول الحال بالنسبة لعقيدته، ولم يعلم عنه انحراف في عقيدته صحت الصلاة وراءه وأكلت ذبيحته " انتهى.

"فتاوى اللجنة الدائمة" (٧/٣٦٥) .

وجاء فيها أيضا (٧/٣٥٣) : " وأما الصلاة خلف المبتدعة: فإن كانت بدعتهم شركية كدعائهم غير الله ونذرهم لغير الله واعتقادهم في مشايخهم ما لا يكون إلا لله من كمال العلم، أو العلم بالمغيبات، أو التأثير في الكونيات، فلا تصح الصلاة خلفهم.

وإن كانت بدعتهم غير شركية؛ كالذكر بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن مع الاجتماع والترنحات، فالصلاة وراءهم صحيحة، إلا أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى لصلاته إماما غير مبتدع؛ ليكون ذلك أعظم لأجره وأبعد عن المنكر " انتهى.

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم المقيم في بلد أهله متمسكون بالبدعة، هل يصح له أن يصلي معهم صلاة الجمعة والجماعة، أو يصلي وحده، أو تسقط عنه الجمعة؟ وإذا كان أهل السنة ببلد أقل من اثني عشر فهل تصح لهم الجمعة أم لا؟

فأجاب: " إنّ إقامة صلاة الجمعة واجبة خلف كل إمام بر أو فاجر، فإذا كان الإمام في الجمعة لا تخرجه بدعته عن الإسلام فإنه يصلى خلفه، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: " ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم " انتهى ... " ثم نقل كلام شيخ الإسلام السابق، إلى أن قال: " وأما السؤال الثاني: فجوابه أن يقال: هذه المسألة فيها خلاف مشهور بين أهل العلم، والصواب في ذلك: جواز إقامة الجمعة بثلاثة فأكثر إذا كانوا مستوطنين في قرية لا تقام فيها الجمعة، أما اشتراط أربعين أو اثني عشر أو أقل أو أكثر لإقامة الجمعة فليس عليه دليل يعتمد عليه فيما نعلم، وإنما الواجب أن تقام في جماعة وأقلها ثلاثة وهو قول جماعة من أهل العلم، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الصواب كما تقدم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (٤/٣٠٣) .

هذا وينبغي أن تتعاون مع الجالية الموجودة في هذه البلاد، لدعوتهم إلى الله تعالى، وتصحيح عقائدهم، وإرشاد ضالهم، بالحكمة بالموعظة الحسنة، والسعي لأن تكون إمامة الصلاة في أفضلهم وأتقاهم.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>