للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

طرق النجاح في الحياة

[السُّؤَالُ]

ـ[كيف أحصل على النجاح والتوفيق "أو الازدهار أو الرخاء" في الدنيا والآخرة.. وما نوع النجاح والازدهار الذي يريده الإسلام للأمة الإسلامية في هذا العالم.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

فإن راحة القلب وطمأنينته، وسروره وزوال همومه وغمومه، هو المطلب لكل أحد، وبه تحصل الحياة الطيبة، ويتم السرور والابتهاج، ولذلك أسباب دينية، وأسباب طبيعية، وأسباب عملية، ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين، وأما من سواهم فإنها وإن حصلت لهم من وجه فاتتهم من وجوه أخرى.

وبين يديك - أيها القارئ – جملة من الأسباب لهذا المطلب الأعلى الذي يسعى له كل أحد، فمنهم من أصاب كثيراً منها فعاش عيشة هنيئة، وحيي حياةً طيبة، ومنهم من أخفق فيها كلها فعاش عيشة الشقاء، وحيي حياة التُعساء، ومنهم من هو بين بين، بحسب ما وفق له. فمن تلك الأسباب والوسائل:

١- الإيمان والعمل الصالح....

وهو أعظم الأسباب وأصلها وأُسها؛ قال تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) النحل/ ٩٧ فأخبر تعالى ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة والجزاء الحسن في الدنيا والآخرة.

وسبب ذلك واضح: فإن المؤمنين بالله – الإيمان الصحيح المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة – معهم أصول وأُسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج، وأسباب القلق والهم والأحزان..

فيتلقون المحاب والمسارّ بقبولٍ لها، وشكر عليها، واستعمال لها فيما ينفع، فإذا استعملوها على هذا الوجه أحدث لهم من الابتهاج بها، والطمع في بقائها وبركاتها، ورجاء ثواب الشاكرين، أموراً عظيمة تفوق بخيراتها وبركاتها هذه المسرَّات التي هذه ثمراتها، ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته، وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه، والصبر الجميل لما ليس لهم منه بُدٌّ، وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة، والتجارب والقوة، ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب أمورٌ عظيمة تضمحل معها المكاره، وتحل محلها المسار والآمال الطيبة، والطمع في فضل الله وثوابه، كما عبَّر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا في الحديث الصحيح فقال: " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كلَّه خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن " رواه مسلم رقم (٢٩٩٩) .

فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات أعماله في كل ما يطرقه من السرور والمكاره.

٢- الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل وأنواع المعروف ... وهذا من الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق، وبها يدفع الله عن البَرِّ والفاجر الهموم والغموم بحسبها، ولكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب، ويتميز بأن إحسانه صادر عن إخلاص واحتساب لثوابه فيُهون الله عليه بذل المعروف لما يرجوه من الخير، ويدفع عنه المكاره بإخلاصه واحتسابه، قال تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاحٍ بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً) النساء/١١٤ ومن جملة الأجر العظيم: زوال الهم والغم والأكدار ونحوها.

٣- ومن أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب، واشتغال القلب ببعض المكدرات: الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة، فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه، وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، ففرحت نفسه وازداد نشاطه، وهذا السبب أيضاً مشترك بين المؤمن وغيره، ولكن المؤمن يمتاز بإيمانه وإخلاصه واحتسابه في اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه، وبعمل الخير الذي يعمله.

وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه فإن هذا أدعى لحصول المقصود النافع والله أعلم.

٤- ومما يُدفع به الهم والقلق اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل، وعن الحزن على الوقت الماضي، ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن، فالحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها، والهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل، فيكون العبد ابن يومه، يجمع جِدَّه واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر، فإن جم القلب على ذلك يُوجب تكميل الأعمال، ويتسلى به العبد عن الهم والحزن، والنبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدعاء أو أرشد أمته إلى دعاء، فهو يحث مع الاستعانة بالله والطمع في فضله على الجد والاجتهاد في التحقق لحصول ما يدعو بحصوله، والتخلي عما كان يدعو لدفعه؛ لأن الدعاء مقارنٌ للعمل، فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا، ويسأل ربه نجاح مقصده، ويستعينه على ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم: " احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيءٌ فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان " رواه مسلم. جمع صلى الله عليه وسلم بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال، والاستعانة بالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار، وبين الاستسلام للأمور الماضية النافذة، ومشاهدة قضاء الله وقدره، وجعل الأمور قسمين:

١- قسم يمكن العبد السعي في تحصيله أو تحصيل ما يمكن منه أو دفعه أو تخفيفه فهذا يبذل فيه العبد مجهوده ويستعين بمعبوده.

٢- وقسم لا يمكن فيه ذلك فهذا يطمئن له العبد ويرضى ويُسلم.

ولا ريب أن مراعاة هذا الأصل سبب للسرور وزوال الهم والغم.

٥- ومن أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينته الإكثار من ذكر الله، فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته، وزوال همه وغمه، قال تعالى: " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " الرعد/٢٨ فلذكر الله أثرٌ عظيمٌ في حصول هذا المطلوب لخاصيته، ولما يرجوه العبد من ثوابه وأجره.

٦- ومن الأسباب الموجبة للسرور وزوال الهم والغم، السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم، وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور، وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيه من باب العبث والمحال، فيُجاهد قلبه عن التفكر فيها، وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله مما يتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته، فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهولٌ ما يقع فيها من خير وشر، وآمال وآلام، وأنها بيد العزيز الحكيم، ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها، ودفع مضراتها، ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره، واتكل على ربه في إصلاحه، واطمأن إليه في ذلك، إذا فعل ذلك اطمأن قلبه وصلحت أحواله وزال عنه همه وقلقه.

ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به: " اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، والموت راحةً لي من كلِّ شر " رواه مسلم (٢٧٢٠) .

وكذلك قوله: " اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كلَّه، لا إله إلا أنت " رواه أبو داود بإسناد صحيح رقم ٥٠٩٠ وحسنه الألباني في صحيح الكلم الطيب ص ٤٩. فإذا لهج العبد بهذا الدعاء الذي فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي بقلب حاضر، ونيةٍ صادقة، مع اجتهاده فيما يُحقق ذلك، حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له، وانقلب همه فرحاً وسروراً.

٧- إذا حصل لإنسان قلق وهموم بسبب النكبات، فإن من أنفع الأسباب لزوالها أن يسعى في تخفيفها عن نفسه بأن يُقدر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر , ويوطن على ذلك نفسه، فإذا فعل ذلك فليَسْعَ إلى تخفيف ما يمكن تخفيفه بحسب الإمكان، فبهذا التوطين وهذا السعي النافع، تزول همومه وغمومه، ويكون بدل ذلك السعي في جلب المنافع، وفي رفع المضار الميسورة للعبد، فإذا حلت به أسباب الخوف , وأسباب الأسقام، وأسباب الفقر فليتلق ذلك بطمأنينة وتوطين للنفس عليها، بل على أشد ما يمكن منها، فإن توطين النفس على احتمال المكاره يهونها ويزيل شدتها، وخصوصاً إذا أشغل نفسه بمدافعتها بحسب مقدوره، فيجتمع في حقه توطين النفس مع السعي النافع الذي يشغل عن الاهتمام بالمصائب، ويُجاهد نفسه على تجديد قوته المقاومة للمكاره، مع اعتماده في ذلك على الله، وحسن الثقة به، ولا ريب أن لهذه الأمور فائدتها العظمى في حصول السرور وانشراح الصدور مع ما يؤمله العبد من الثواب العاجل والآجل، وهذا مُشاهد مُجرب، ووقائعه ممن جربه كثيرة جداً.

٨- قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة؛ لأن الإنسان متى استسلم للخيالات، وانفعل قلبه للمؤثرات، من الخوف من الأمراض وغيرها، ومن الغضب والتشوش من الأسباب المؤلمة، ومن توقع حدوث المكاره وزوال المحاب، أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية، والانهيار العصبي الذي له آثاره السيئة، التي قد شاهد الناس مضارها الكثيرة، ومتى اعتمد القلب على الله وتوكل عليه، ولم يستسلم لأوهام , ولا ملكته الخيالات السيئة، ووثق بالله، وطمع في فضله، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم، وزالت عنه كثير من الأسقام البدنية والقلبية، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، فكم ملئت المستشفيات من مرضى الأوهام والخيالات الفاسدة، وكم أثرت هذه الأمور على قلوب كثير من الأقوياء، فضلاً عن الضعفاء، وكم أدت إلى الحمق والجنون.

واعلم أن حياتك تبع لأفكارك، فإن كانت أفكاراً فيما يعود عليك نفعه في دين أو دنيا فحياتك طيبة سعيدة. وإلا فالأمر بالعكس.

والمُعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوية للقلب، الدافعة لقلقه، قال تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) الطلاق/٣. أي كافيه جميع ما يُهمه من أمر دينه ودنياه، فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام، ولا تُزعجه الحوادث، لعلمه أن ذلك من ضعف النفس، ومن الخور والخوف الذي لا حقيقة له، ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة، فيثق بالله ويطمئن لوعده، فيزول همه وقلقه، ويتبدل عُسره يُسرا، وترحه فرحا، وخوفه أمنا، فنسأله تعالى العافية، وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته، وبالتوكل الكامل الذي تكفل الله لأهله بكل خير، ودفع كل مكروه وضير.

وينبغي أيضاً إذا أصابه مكروه أو خاف منه أن يقارن بين بقية النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية، وبين ما أصابه من مكروه فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم، واضمحلال ما أصابه من المكاره.

أنظر كتاب الوسائل المفيدة للحياة السعيدة للشيخ عبد الرحمن بن سعدي.

* وقد لخص ابن القيم خمسة عشر نوعاً من الدواء يذهب الله بها الهم والحزن وهي:

الأول: توحيد الربوبية.

الثاني: توحيد الإلهية.

الثالث: التوحيد العلمي الاعتقادي (وهو توحيد الأسماء والصفات) .

الرابع: تنزيه الرب تعالى عن أن يظلم عبده، أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك.

الخامس: اعتراف العبد بأنه هو الظالم.

السادس: التوسل إلى الرب تعالى بأحب الأشياء، وهو أسماؤه وصفاته، ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات: الحي القيوم.

السابع: الاستعانة به وحده.

الثامن: إقرار العبد له بالرجاء.

التاسع: تحقيق التوكل عليه، والتفويض إليه، والاعتراف له بأن ناصيته في يده، يصرفه كيف يشاء، وأنه ماض فيه حكمه، عدل فيه قضاؤه.

العاشر: أن يرتع قلبه في رياض القرآن، ويتعزى به عن كل مصيبة، ويستشفي به من أدواء صدره، فيكون جلاء حزنه، وشفاء همه وغمه.

الحادي عشر: الاستغفار.

الثاني عشر: التوبة.

الثالث عشر: الجهاد.

الرابع عشر: الصلاة.

الخامس عشر: البراءة من الحول والقوة وتفويضهما إلى من هما بيده.

نسأل الله تعالى أن يعافينا من الهموم وأن يفرج عنا الكروب ويزيل عنا الغموم إنه هو السميع المجيب، وهو الحي القيوم.

أنظر للأهمية رسالة علاج الهموم – وهي موجودة في الموقع – قسم الكتب.

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[الْمَصْدَرُ]

الشيخ محمد صالح المنجد

<<  <  ج: ص:  >  >>