كيف نحيّي أهل العلم والفضل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن تقبيل يد قادة العالم الإسلامي؟ أو أن نركع احتراماً لهم؟ وما هي الطريقة الصحيحة لتحيَّتِهم، نحن نعتقد أن الطريقة هي العناق والمصافحة للرجال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الطريقة الصحيحة لتحية أهل العلم هي السلام والمصافحة، وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة، ويمكن تقبيل رأسه ويده أحياناً، ولكن لا يتخذ ذلك عادة وخاصة إذا كان بدلاً عن المصافحة.
وأما المعانقة فتجوز عند القدوم من السفر أو طول الغياب أو للتعبير عن شدة الحب في الله ونحو ذلك.
روى مسلم (٥٤) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ) .
وعن قتادة قال: قلت لأنس أكانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. رواه البخاري (٥٩٠٨) .
وعن أنس قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا. رواه الطبراني في " الأوسط " (١ / ٣٧) ، وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (٢٦٤٧) .
وعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: لما قدم جعفر من هجرة الحبشة تلقَّاه النبي صلى الله عليه وسلم فعانقه وقبَّل ما بين عينيه. رواه الطبراني في " الكبير " (٢ / ١٠٨) ، وله شواهد كثيرة ذكرها الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (٤ / ٩٦) ، وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (٢٦٥٧) .
وعن أسامة بن شريك قال: قمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبَّلنا يده. رواه أبو بكر بن المقري في جزء " تقبيل اليد " (ص ٥٨) . قال الحافظ ابن حجر: سنده قوي. " فتح الباري " (١١ / ٥٦) .
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني:
قلت: وفي ذلك من الفقه تفريق الصحابة بين الحضر والسفر في أدب التلاقي، ففي الحالة الأولى: المصافحة، وفي الحالة الأخرى: المعانقة، ولهذا كنت أتحرج من المعانقة في الحضر، وبخاصة أنني كنت خرجت في المجلد الأول من هذه " السلسلة " (رقم ١٦٠) حديث نهيه صلى الله عليه وسلم عن الانحناء والالتزام والتقبيل، ثم لما جهزت المجلد لإعادة طبعه، وأعدت النظر في الحديث، تبين لي أن جملة " الالتزام " ليس لها ذكر في المتابعات أو الشواهد التي بها كنت قوَّيت الحديث، فحذفتُها منه كما سيرى في الطبعة الجديدة من المجلد إن شاء الله، وقد صدر حديثاً والحمد لله.
فلما تبين لي ضعفها زال الحرج والحمد لله، وبخاصة حين رأيت التزام ابن التيِّهان الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث خروجه صلى الله عليه وسلم إلى منزله رضي الله عنه الثابت في " الشمائل المحمدية " (رقم ١١٣ ص ٧٩ - مختصر الشمائل) ، ولكن هذا إنما يدل على الجواز أحياناً، وليس على الالتزام والمداومة كما لو كان سنَّة، كما هو الحال في المصافحة، فتنبه.
وقد رأيت للإمام البغوي رحمه الله كلاماً جيِّداً في التفريق المذكور وغيره، فرأيت من تمام الفائدة أن أذكره هنا، قال رحمه الله في " شرح السنَّة " (١٢ / ٢٩٣) - بعد أن ذكر حديث جعفر وغيره مما ظاهره الاختلاف -:
" فأما المكروه من المعانقة والتقبيل: فما كان على وجه المَلَقِ (الزيادة في التَّوُّدد) ، والتعظيم، وفي الحضر، فأما المأذون فيه فعند التوديع وعند القدوم من السفر، وطول العهد بالصاحب وشدَّة الحب في الله، ومن قبل فلا يقبل الفم، ولكن اليد والرأس والجبهة.
وإنما كره ذلك في الحضر فيما يرى؛ لأنه يكثر ولا يستوجبه كلّ أحد، فإن فعله الرجل ببعض الناس دون بعض: وجد عليه الذين تركهم، وظنّوا أنه قصّر بحقوقهم، وآثر عليهم، وتمام التحيّة المصافحة. انتهى
واعلم أنه قد ذهب بعض الأئمة كأبي حنيفة وصاحبه محمد إلى كراهية المعانقة، حكاه عنهما الطحاوي خلافاً لأبي يوسف.
ومنهم الإمام مالك، ففي " الآداب الشرعية " (٢ / ٢٧٨) :
" وكره مالك معانقة القادم من سفر، وقال: بدعة، واعتذر عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بجعفر حين قدم، بأنه خاص له فقال له سفيان: ما تخصّه بغير دليل، فسكت مالك، قال القاضي: وسكوته دليل لتسليم قول سفيان وموافقته، وهو الصواب حتى يقوم دليل التخصيص".
هذا وقد تقدّم في كلام الإمام البغوي قوله بأنه لا يقبّل الفم، وبيَّن وجه ذلك الشيخ ابن مفلح في " الآداب الشرعية "، فقال (٢ / ٢٧٥) :
" ويكره تقبيل الفم، لأنّه قلّ أن يقع كرامة ".
ويبدو لي وجه آخر، وهو أنه لم يروَ عن السلف، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وما أحسن ما قيل:
وكلّ خيرٍ في اتَّباع من سلف * وكّل شرٍّ في ابتداع من خلف. " السلسلة الصحيحة " المجلد السادس القسم الأول (٣٠٥ – ٣٠٧) .
وقال الشيخ – أيضاً -:
... وأما تقبيل اليد: ففي الباب أحاديث وآثار كثيرة، يدل مجموعها على ثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف، فنرى جواز تقبيل يد العالِم إذا توفرت الشروط الآتية:
١. أن لا يُتخذ عادة بحيث يتطبع العالِم على مدِّ يده إلى تلامذته، ويتطبع هؤلاء على التبرك بذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم وإن قُبِّلت يدُه فإنما كان ذلك على الندرة، وما كان كذلك فلا يجوز أن يُجعل سنَّة مستمرة، كما هو معلوم من القواعد الفقهية.
٢. أن لا يدعو ذلك إلى تكبر العالِم على غيره ورؤيته لنفسه، كما هو الواقع مع المشايخ اليوم.
٣. أن لا يؤدي ذلك إلى تعطيل سنَّة معلومة، كسنَّة المصافحة، فإنها مشروعة بفعله صلى الله عليه وسلم وقوله، وهي سبب شرعي لتساقط ذنوب المتصافحين، كما روي في غير ما حديث واحد، فلا يجوز إلغاؤها من أجل أمرٍ أحسن أحواله أنه جائز. " السلسلة الصحيحة " (١ / ٣٠٢) .
ثانياً:
وأما الركوع والانحناء فلا يحل عند ملاقاة أحد لا عند عالِم ولا غيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وأما الانحناء عند التحية: فينهى عنه كما في الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنهم سألوه عن الرجل يلقى أخاه ينحنى له؟ قال: لا "؛ ولأن الركوع والسجود لا يجوز فعله إلا لله عز وجل وإن كان هذا على وجه التحية في غير شريعتنا كما في قصة يوسف (وخروا له سجَّداً وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل) وفي شريعتنا لا يصلح السجود إلا لله، بل قد تقدم نهيه عن القيام كما يفعله الأعاجم بعضها لبعض فكيف بالركوع والسجود؟ وكذلك ما هو ركوع ناقص يدخل في النهي عنه. [والمراد بالركوع الناقص الانحناء الذي لا يبلغ حد الركوع] " مجموع الفتاوى " (١ / ٣٧٧) .
وقال:
وأما وضع الرأس عند الكبراء من الشيوخ وغيرهم أو تقبيل الأرض ونحو ذلك: فإنه مما لا نزاع فيه بين الأئمة في النهى عنه، بل مجرد الانحناء بالظهر لغير الله عز وجل منهي عنه، ففي المسند وغيره أن معاذ بن جبل رضى الله عنه لما رجع من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ما هذا يا معاذ؟ فقال: يا رسول الله رأيتهم في الشام يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم ويذكرون ذلك عن أنبيائهم، فقال: كذبوا يا معاذ لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، يا معاذ أرأيتَ إن مررت بقبري أكنتَ ساجداً؟ قال: لا، قال: لا تفعل هذا " أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ...
وبالجملة: فالقيام والقعود والركوع والسجود حق للواحد المعبود خالق السموات والأرض وما كان حقّاً خالِصاً لله لم يكن لغيره فيه نصيب مثل الحلف بغير الله عز وجل. " مجموع الفتاوى " (٢٧ / ٩٢، ٩٣) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
لا يجوز الانحناء عند السلام ولا خلع النعلين له.
وقالوا:
لا يجوز الانحناء تحيةً للمسلم ولا للكافر، لا بالجزء الأعلى من البدن ولا بالرأس؛ لأن الانحناء تحية عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله وحده.
بن قعود " فتاوى اللجنة الدائمة " (١ / ٢٣٣، ٢٣٤) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب