للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما حكم الشرع في التداوي بلسع النحل؟

[السُّؤَالُ]

ـ[ما حكم الشرع في التداوي بلسع النحل؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

العلاج بلسع النحل يتم بالإمساك بالنحلة بواسطة ملقط وإبقائها حية لمدة تتراوح ما بين ١٥ و٢٠ دقيقة لكي تلسع المريض وتضخ سمها في مجرى دمه، كما يمكن استعمال هذا السم عن طريق الحقن بسائل سم النحل المحضَّر، أو عن طريق تناوله بالفم على شكل أقراص أو كبسولات، كما سهِّل استعمال سم النحل وذلك على صورة مراهم وكريمات لعلاج التهاب المفاصل وغيرها من الأمراض الجلدية، ولا يستخدم هذا النوع من العلاج مع المرضى الذين لديهم حساسية تجاه سم النحل حتى لا يتعرض أحدهم لتأثيرات جانبية بعضها خطير.

وقد نجح التطبيب بسم النحل في التعافي من أمراض كثيرة مثل أمراض الروماتيزم، وضعف النظر، والجيوب الأنفية، وفقر الدم، وسرطان الغدد، وغيرها من الأمراض.

والعلاج بلسع النحل عرفه قدماء الأطباء، فقد ذكره أبو قراط في كتبه وعلاجاته، غير أننا لم نقف على نصوص لأهل العلم في حكم التداوي بلسع النحل، وقد رأينا أنها تدخل في بحوثهم في حكم التداوي بالسموم.

والذي يظهر من الواقع ومن كلام أهل الخبرة أن السموم ليست على درجة واحدة، وأن منها ما هو قاتل، ومنها ما ليس كذلك، وهذا الثاني إذا أُكثر منه صار قاتلاً، وذلك مثل سم النحل، فإنه ليس قاتلاً ابتداء لمن ليس عنده حساسية، لكنه إن بلغ حدّاً معيناً فإنه يكون قاتلاً.

ومن هنا نفهم بعض ما قاله بعض الشافعية والحنابلة من أن السم إن كان يضر كثيره: لم يحرم تناول يسيره.

انظر " الإنصاف " (١٠ / ٣٥٤) و " المجموع " (٩ / ٣٧) .

ومن المعلوم أن تناول السم القاتل لا يجوز، بل هو من كبائر الذنوب.

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) رواه البخاري (٥٤٤٢) ومسلم (١٠٩) .

وأما تناول السم من أجل التداوي: فقد اختلف العلماء فيه على قولين:

الأول: جواز التداوي بالسم إذا دعت الضرورة لذلك، وكان الغالب السلامة من أثره.

وهو قول جمهور الحنفية والمالكية الشافعية، وهو مذهب الحنابلة.

والثاني: حرمة التداوي بالسم، وهو قول بعض الحنفية والشافعية.

والراجح من القولين هو الأول، فالسموم أنواع وليس لها حكمٌ واحد، وهي تختلف بحسب نفعها والحاجة إليها، وقد أثبتت تجارب كثيرة فعالية سم النحل في العلاج.

قال المباركفوري رحمه الله:

"قال الماوردي وغيره: السموم على أربعة أضرب:

منها: ما يقتل كثيره وقليله: فأكله حرام للتداوي ولغيره، كقوله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) .

ومنها: ما يقتل كثيره دون قليله: فأكل كثيره الذي يقتل حرام للتداوي وغيره، والقليل منه إن كان مما ينفع في التداوي: جاز أكله تداوياً.

ومنها: ما يقتل في الأغلب، وقد يجوز أن لا يقتل: فحكمه كما قبله.

ومنها: ما لا يقتل في الأغلب وقد يجوز أن يقتل: فذكر الشافعي في موضع إباحة أكله، وفي موضع تحريم أكله، فجعله بعض أصحابه على حالين فحيث أباح أكله فهو إذا كان للتداوي وحيث حرم أكله فهو إذا كان غير منتفع به في التداوي" انتهى.

" تحفة الأحوذي " (٦ / ١٦٧) .

وفي " كشاف القناع عن متن الإقناع " (٤ / ٢٦٤) :

"فَإِنْ كَانَ الدَّوَاءُ مَسْمُومًا وَغَلَبَتْ مِنْهُ السَّلَامَةُ وَرُجِيَ نَفْعُهُ أُبِيحَ لِدَفْعِ مَا هُوَ أَعْظَمَ مِنْهُ، كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ غَيْرِ الْمَسْمُومَةِ، وَدَفْعًا لِإِحْدَى الْمَفْسَدَتَيْنِ بِأَخَفَّ مِنْهَا" انتهى.

وقال ابن قدامة رحمه الله:

"وما فيه السموم من الأدوية: إن كان الغالب من شربه واستعماله الهلاك به أو الجنون: لم يبح شربه، وإن كان الغالب منه السلامة ويرجى منه المنفعة: فالأوْلى إباحة شربه لدفع ما هو أخطر منه كغيره من الأدوية.

ويحتمل أن لا يباح؛ لأنه يعرض نفسه للهلاك، فلم يبح كما لو لم يرد به التداوي.

والأول: أصح؛ لأن كثيراً من الأدوية يخاف منه، وقد أبيح لدفع ما هو أضر منه" انتهى.

"المغني" (١ / ٤٤٧) .

والخلاصة:

أنه يجوز التداوي بلسع النحل، وأن ذلك ينبغي أن يكون ذلك بإشراف طبيب أو مختص، حتى يكون بالقدر الذي يحتاج إليه المريض.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>