للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في خِصامٍ حادٍّ، أخبر عن نفسِه أنَّه كفر، فما الحُكمُ؟

[السُّؤَالُ]

ـ[حينَما ازدادَ نقاشِي مع أحدِ أقاربي لفظت بقولِ: "أنا كفرت "، ولطمتُ على وجهي، مع العِلمِ أَنِّي نادمٌ على ما حدث، فأريدُ التوجيهَ والإرشادَ، وما حكمُ الدينِ في ذلك؟ وهل عليَّ كفارة؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون، ونسألُ الله العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرة، ونسألُه حسنَ الختامِ والوفاةَ على الإيمان.

اعلم - أخي السائل - بأنَّك وقعتَ في أعظمِ ذنبٍ وأقبحِ معصيةٍ، وهي معصيةُ الكفرِ والردَّةِ، والعياذ بالله تعالى.

وهذه الكلمةُ التي ذكرتَ عن نفسِك، صريحةٌ في الكفرِ والردةِ، والعلماءُ يقولون:

عندَ ظهورِ لفظِ الكفرِ يُحكَمُ بالردةِ (إن كان يعلم معنى الكلمة) ، ولا يُسأل عن نيته، كما قالَ تعالى:

(وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) التوبة/٦٥.

فأخبرَ سبحانَه أنهم كفروا بعدَ إيمانهم، مع قولِهم: إنا تكلمنا من غيرِ اعتقاد، بل كنَّا نخوض ونلعب.

قال ابنُ نُجَيم:

" إنَّ من تكلَّمَ بكلمةِ الكفرِ هازلا أو لاعبًا كفرَ عند الكلِّ، ولا اعتبارَ باعتقادِه " انتهى.

"البحر الرائق" (٥/١٣٤) ، وانظر: "نواقض الإيمان القولية والعملية" (ص٩٥) .

وقال الشيخُ ابنُ عثيمين:

" وإن أتى بقولٍ يُخرجُه عن الإسلامِ، مثلَ أن يقول: هو يهوديٌّ أو نصرانيٌّ أو مجوسيٌّ أو بريءٌ من الإسلام، أو من القرآنِ أو النبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ فهو كافرٌ مرتدٌ، نأخذه بقولِه هذا " انتهى.

"الشرح الممتع" (٦/٢٧٩) .

والردُّة أمرُها خطيرٌ وشأنُها عظيم، فقد اختلفَ العلماءُ فيمن ارتدَّ ثم تاب، هل يبقى له من ثوابِ أعمالِه السابقةِ شيءٌ، أم تحبط كلُّها بالردة؟

وقد سئلَ الشيخُ الفوزانُ السؤالَ التالي:

ما الحكمُ فيمن ارتدَّ عن الإسلامِ ثم عاد إليه، هل يعيدُ ما فاتُه من أعمالٍ من أركانِ الإسلامِ، كالحجِّ والصومِ والصلاةِ، أم تكفي توبتُه وعودتُه إلى الإسلامِ؟

فأجابَ:

" الصحيحُ من قولي العلماء: أن المرتدَّ إذا عادَ إلى الإسلامِ، ودخلَ في الإسلامِ مرةً أخرى تائبًا منيبًا للهِ تعالى، فإنه لا يعيدُ الأعمالَ التي أدَّاها قبلَ الردةِ؛ لأنَّ اللهَ سبحانَه وتعالى اشترطَ لحبوطِ الأعمالِ بالردَّةِ أن يموتَ الإنسانُ عليها.

قالَ تعالى: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/٢١٧.

فَشَرَطَ لحبوطِ الأعمالِ استمرارَ الإنسانِ على الردةِ حتى يموتَ الإنسانُ عليها، فدلت الآيةُ بمفهومِها على أنَّ الإنسانَ لو تابَ فإنَّ أعمالَه التي أدَّاها قبلَ الردةِ تكونُ صحيحةً ومُجزيةً إن شاءَ الله تعالى " انتهى.

"المنتقى من فتاوى الفوزان" (٥/٤٢٩) .

وأما لطم الوجه فهو من أعمال الجاهلية التي حذرنا منها النبي صلى الله عليه وسلم , وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من فاعله فقال: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ , وَشَقَّ الْجُيُوبَ , وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) رواه البخاري (١٢٩٤) , وهذا يدل على أن لطم الخدود كبيرة من كبائر الذنوب.

وحيث قد ندمت على ما فعلت فنرجو من الله تعالى أن يقبل توبتك , فعليك أن تنطق الشهادتين لتدخل بذلك في الإسلام بعد أن خرجت منه , ولْتحسن العمل , وعليك بحفظ اللسان , فإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً فيهوى بها في النار سبعين خريفاً.

وأما الكفارة، فليس هناك كفارة لما بدر منك إلا التوبة والندم والعزم على عدم العودة إلى ذلك.

ونسأل الله أن يتقبل توبتك , ويرزقك الاستقامة على دينه.

والله اعلم.

راجع الأسئلة التالية: (١٠٧٩) (٥٧٣٣) (٤٢٥٠٥) .

واللهُ أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>