التعامل مع شركة تبيع وتشتري العملات
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسال عن شركة استثمارية على الإنترنت هل التعامل معها حلال أم حرام ... هذه الشركة شركة استثمار طويل الأجل، فهي أساسا شركة وساطة في مجال تجارة العملات العالمية وتقدم خدمة إدارة الحسابات (إدارة أموال المستثمرين وتشغيلها في الـFOREX) وهو عبارة عن صندوق استثمار (مثل صناديق الاستثمار الموجودة ببعض الدول لتشغيل أموال المستثمرين في البورصة) حيث يتم تجميع أموال المستثمرين في هذا الصندوق ثم يقوم فريق الشركة (المختصين) بتشغيلها والمضاربة في بورصة العملات العالمية FOREX، طبعاً هناك فريق من المختصين يديرون أموال العملاء (نظام إدارة الحسابات) وتدفع فائدة أسبوعية للمستثمرين بها ما بين ٨ و ١٢ % أي فائدة متغيرة والشركة لا تتعامل في الخمور أو القمار أو الأمور المحرمة ولها حد أدنى لكي يشارك الشخص بها ... فأرجو أن تخبرونا التعامل معها حلال أم حرام نظرا لانتشارها الشديد وكثرة من يتعاملون معها]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي على المسلم الحذر البالغ في التعامل مع الشركات الأجنبية، وخاصة عندما يكون التعامل معها عن بُعد، فهو لا يدري عن حال المتعامَل معهم، ولا عن حقيقة أنشطتهم التجارية، فيمكن أن يتعرض للنصب والاحتيال، كما يمكن أن يتعامل مع أناسٍ لا يراعون أحكام الشريعة في تعاملاتهم، وقد يُخفون حقيقة تعاملاتهم من أجل جذب أموال المسلمين لاستثمارها فيما يرون لا فيما تبيحه الشريعة الإسلامية.
ثانياً:
تجارة العملات من التجارة المباحة، لكن يشترط لإباحة التجارة بها: التقابض في مجلس العقد.
فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثلٍ، سواءً بسواء، يداً بيدٍ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيدٍ) رواه مسلم (١٥٨٧) .
والعملات الورقية لها حكم الذهب والفضة من حيث الزكاة، ومن حيث اشتراط التقابض عند بيعها، والحديث نصٌّ بيِّن في اشتراط التقابض عند بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وعليه: فلا يجوز بيع عملة بعملة إلا بشرط التقابض في مجلس العقد.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
فالعملة لا تباع بمثلها إلا يداً بيد مثْلا بمثل، وإذا كانت عملة بعملة أخرى كريال بالدولار، أو جنيه إسترليني بغيره: جاز البيع يداً بيدٍ، بدون تأجيل، ولو تفاضلا، فالطرق الشرعية موجودة وكافية - بحمد الله - وليس الناس بحاجة إلى الربا، لولا أن الشيطان يدعوهم إلى ذلك، ويزين لهم الفائدة السريعة بالربا.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (٧ / ٢٩٤، ٢٩٥) .
وقال الشيخ عبد الله الجبرين حفظه الله:
لا بأس في التجارة بالعملة، وهو بيع نقدٍ بنقد، ولكن بشرط التقابض قبل التفرق، سواء سلَّم العيْن واستلم ما يقوم مقامها من الشيكات المصدَّقة الموثقة، وسواء كان المتصارفان مالكيْن أو وكيليْن، فإن كان العرف ليس على هذه الصفة: فلا يجوز، وفاعله عاصٍ بفعله، وناقص الإيمان.
" فتاوى إسلامية " (٢ / ٣٦٤) .
ووجود القبض يداً بيدٍ في الهاتف والإنترنت مع الغياب والبعد من المستحيلات، ولذا فإن العلماء المعاصرين قالوا بجواز بيع العملات بالهاتف والإنترنت في حال وجود ما يقوم مقام القبض، وهو التحويل المباشر من حساب البائع إلى حساب المشتري، أو تسلُّم وكيل للمشتري شيكات بنكية مصدَّقة باسم الطرف الآخر، وهو ما قال به مجلس الفقه الإسلامي، وهذا نص ما قال:
إن مجلس الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من ١٧ إلى ٢٣ شعبان ١٤١٠هـ الموافق ١٤ - ٢٠ آذار (مارس) ١٩٩٠ م.
بعد إطِّلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: " القبض: صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها ".
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
قرر:
أولاً:
قبض الأموال كما يكون حسيّاً في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتباراً وحكماً بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حسّاً، وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضاً لها.
ثانياً:
إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعاً وعرفاً:
١. القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية:
(أ) إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية.
(ب) إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حال شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل.
(ج) إذا اقتطع المصرف - بأمر العميل - مبلغاً من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى، في المصرف نفسه أو غيره، لصالح المستفيد أو لعميل آخر، وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإسلامية.
ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل، على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة إلَاّ بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي.
٢. تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه المصرف" انتهى.
" مجلة المجمع " (العدد السادس، ١ / ٤٥٣) ، " قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي " (ص ١١٣، ١١٤) .
وقد نبّه العلماء المختصون في المعاملات المالية المعاصرة أن بيع العملات عن طريق الإنترنت لا يحصل فيه التقابض، فيكون محرما شرعا.
ثم إن هناك سبباً آخر لتحريم المعاملة المسئول عنها: وهي أن الشركة تعطي المستثمرين بها أرباحاً أسبوعية ما بين ٨ و ١٢ %، وهذا يجعل عقد المضاربة فاسدا، لأن الواجب في عقد المضاربة أن يتم توزيع الربح بالنسبة بين الشركاء فيأخذ كل شريك نسبة معينة من الربح مثل نصف الربح أو ربعه وما أشبه ذلك، أما أن يأخذ شيئاً ثابتاً أو تكون النسبة من رأس المال فهذا لا يجوز.
والخلاصة:
أن بيع العملات بهذه الطريقة لا يجوز لسببين:
١- أن بيع العملات عن طريق الإنترنت لا يحصل فيه التقابض.
٢- أن عقد المضاربة يشترط فيه أن توزع الأرباح بين الشركاء بالنسبة ولا يجوز أن تكون تلك النسبة من رأس المال.
وننبه هنا إلى أنه لا يجوز لكم الاقتراض من هؤلاء الوسطاء أو الوكلاء أو الأجراء بما يسمَّى " نظام المارجن "، وهو ما يتطلب منك وضع جزء من قيمة القرض لديهم ليتم الاتجار في البورصة – وخاصة العملات – ويقوم هؤلاء الوسطاء بتسهيل التعامل بأضعاف ما دفعته لهم، ويتم حسم الخسارة من مبلغك المودع لديهم.
واعلم أن التعامل بنظام " المارجن " حرام شرعاً، ولا يجوز لأحدٍ أن يتعامل به، وقد حذَّر كثيرون منه - حتى من غير المسلمين -؛ لما له من أثر سيء في التعاملات المالية في البورصات، وانهيار بورصة نيويورك في " الاثنين الشهير " كان من أهم أسبابها هو التعامل بنظام " المارجن "، " بسبب تخزين أوامر بالبيع على أجهزة الكومبيوتر الخاصة بالسماسرة في حالة انخفاض الأسعار إلى الهوامش المتفق عليها، وحين هبطت أسعار الأسهم بالفعل صدرت أوامر البيع آليّاً فارتفع العرض بصورة غير مسبوقة دون وجود طلب للشراء، وهو ما أدى إلى الانهيار "، وفي الكويت - وغيرها - دعوات متعددة من اقتصاديين لإلغاء العمل به.
والذي يهمنا نحن هو حكم الله تعالى في هذا النظام وغيره، وهو حرام من جهات متعددة، منها: أنه قرض ربوي بصورة تعامل مباح، وأن شراء العملات لا يتم فيه القبض الشرعي، وأن فيه مخاطرة مما يدخله في معاملات القمار.
فنصيحتنا لكم ترك التعامل مع مثل هؤلاء الغرباء البُعداء، والذي لا يدري المسلم ما يُفعل بماله عندهم، والحذر البالغ من الوقوع في المحرّمات.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب