أشغلها العشق وأثَّر عليها فهل تراجع طبيبا نفسيّاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في التاسعة عشرة من عمري، وإني مولعة بشخص، ولكنني أعرف أن هذا الحب حرام في الدين الإسلامي، وأعرف أنه لا يحبني، ولكن لا جدوى من نسيان هذا للمرض حتى أنني عندما فكرت في نسيانه واجهتني مشاكل البحث عن حب جديد، وقد بدأت أفكر في المتزوج والعازب والصديق وابن العم ... الخ، حتى وقعت في الكثير من عدم الثقة بنفسي، والتفكير الكبير في هذا الموضوع قد بدأ يقلقني حتى أصبحت أفكر أن هناك سحراً وأريد أن أذهب إلى شيخ ولكن مترددة قليلا، ولا أعرف ماذا أفعل، والآن أريد أن أذهب إلى الطبيب النفسي، فهل هذا حرام وأنه لجوء إلى غير الله تعالى؟ ولكن لا أعرف أيضا ما حل هذه المشكلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليست قضيتك ـ أيتها السائلة الكريمة ـ قضية سحر ونفث، حتى تحتاجي إلى الذهاب إلى راق يرقيك، وليست قضية مرض نفسي أو عصبي، حتى تحتاجي إلى الذهاب إلى الطبيب؛ إنما قضيتك قضية قلب أصابه مس من الشيطان ووسواسه، وألقى فيه جمارا من العشق الحرام، وأنت رحت تشعلين جذوة الشهوة بسهام النظر المسمومة، والخيالات الفاسدة، والأماني الكاذبة، حتى وصل بك الحال إلى ما ترين من المرض!!
قال ابن القيم رحمه الله: فصل: في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج العشق
(هذا مرض من أمراض القلب، مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه، وإذا تمكن واستحكم عز على الأطباء دواؤه وأعيى العليل داؤه..)
ثم قال: (وعشق الصور إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى، المعرضة عنه المتعوضة بغيره عنه؛ فإذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق إلى لقائه، دفع ذلك عنه مرض عشق الصور؛ ولهذا قال تعالى في حق يوسف: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) يوسف/٢٤، فدل على أن الإخلاص سبب لدفع العشق وما يترتب عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرته ونتيجته؛ فصرف المسبب صرف لسببه، ولهذا قال بعض السلف: العشق حركة قلب فارغ..) زاد المعاد (٤/٢٦٥، ٢٦٨) .
فاعلمي أيتها السائلة، صانك الله عن أسباب غضبه، أن أصل هذا الداء يبدأ من النظرة المحرمة، التي هي رسول البلاء، وبريد الداء إلى القلب، ثم القلب يسرح في خيالاته، حتى يصل إلى تمني الحرام أو تخيله، كما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ) رواه البخاري (٦٢٤٣) ومسلم (٢٦٥٧)
وحينئذ، فالواجب عليك سد الطريق الموصلة إلى هذا الداء، والبعد عن أماكن البلاء والعدوى، ولهذا أمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) النور/ ٣٠-٣١.
وأعظم ما يعين العبد على حفظ فرجه، أن يجعله فيما أحل الله له، فيتزوج، إن كان ذلك ميسورا له، وقد تعلق قلبه بإنسان معين، يمكنه الزواج منه. كما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (لمْ يُر للمتحابيْن مثل النكاح) - رواه ابن ماجة (١٨٤٧) وصححه الألباني في " صحيح سنن ابن ماجه "
وإن كان له تعلق بأمر الزواج، من أجل تحصيل العفة، وإحصان الفرج، من غير أن يكون تعلقه بإنسان معين، فهذا يكون أسهل له، ويمكنك ـ حينئذ ـ أن تسعي في التعجيل بأمر زواجك، وتذليل العقبات التي تحول دونه، ولا حرج عليك ولا عيب في السعي في تحصيل العفة، وإحصان نفسك، ويمكنك أن تستعيني في تحصيل ذلك بمن تثقين منه من أخت، أو قريبة صالحة، أو والدة تتفهم أمرك.
وحتى يتم لك ذلك، فاشغلي قلبك وبدنك بطاعة الله تعالى، وضيقي مداخل الشيطان إلى قلبك، ولا تتركي له فرصة من غفلة، أو فكرة شاردة. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) رواه البخاري (١٩٠٥) ومسلم (١٤٠٠)
والباءة: أعباء الزواج وتبعاته , وقوله وجاء: مراده أن الزواج يقطع الشهوة.
ثم اعلمي أن من أنفع الدواء، وأرجى الأسباب لمن ابتلي بذلك: صدق اللجأ إلى من يجيب المضطر إذا دعاه، وأن يطرح نفسه بين يديه على بابه، مستغيثا به متضرعا متذللا مستكينا؛ فمتى وفق لذلك فقد قرع باب التوفيق، فليعف وليكتم..
قال صلى الله عليه وسلم: (.. وَإِنَّهُ مَنْ يَسْتَعِفَّ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَلَنْ تُعْطَوْا عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ) رواه البخاري (٦٤٧٠) ومسلم (١٠٥٣) .
وأنتِ يا أختنا السائلة تعلمين أن الطرف الآخر لا يبادلك الشعور نفسه، وتعلمين أنه لا مصير لك للزواج منه، فما تفعلينه حرام، وسفه في العقل، وأنتِ لا تزالين في مقتبل عمرك، والطريق أمامك سهل يسير أن تنعمي بحبٍّ شرعي من زوج صالح، فلا تُشغلي نفسك بما حرَّم الله عليكِ.
وقد بيَّنا في جواب السؤال رقم (٢١٦٧٧) ما هو الأحسن في علاج القلق، وفيه وصايا مهمة، لا بدَّ من أن تتأمليها، وفيه بيان جواز العلاج عند الطبيب النفسي، مع أننا لا نرى لكِ ذلك؛ لأن داءكِ معروف وأنت سببه، وعلاجك هو بما ذكرناه لك ونصحناك به.
وذكرنا في جواب السؤال رقم (١٠٢٥٤) مسألة امرأة متعلقة بشاب في المدرسة وتريد حلاًّ، فانظري – كذلك – في جوابها، ولعلك أن تستفيدي.
ونسأل الله تعالى أن يحبب إليكِ الإيمان وأن يزينه في قلبك، وأن يكرِّه إليكِ الكفرَ والفسوق العصيان، وأن يهديك لأحسن الأقوال والأفعال، وأن ييسر لكِ زوجاً صالحاً وذرية طيبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب