يدَّعي على زوجته الزنا فطلقها وأعطاها مهرها، فهل له حقوق عندها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الآن متزوج من فتاه متدينة وملتزمة , ولقد كنت متزوجاً من قبلها بفتاة، ولكنني قد طلقتها، وكان سبب طلاقي منها هو: عدم حفاظها على شرفها , حيث اكتشفت أنها على علاقة بشاب آخر، وأنه كان يدخل البيت - بيت الزوجية - في غيابي، ولقد تأكدت من هذا الكلام - وذلك قبل الطلاق - من الشاب نفسه، وبوجود أدلة، كصورة شخصية لها، والصور هذه كان قد تم تصوريها بحفلتي الخطوبة والزواج , كما تبين بعد ذلك أنها قد أجْرت معه مكالمة هاتفية، وذلك ليلة الزفاف , وقمت بعدها بطلاقها وأرجعت لها كل حقوقها المطلوبة مني شرعاً. سؤالي هو: أحس في بعض الأحيان وعندما أتذكر ما مرت بي من أحداث معها , بأنني قد ظُلمتُ منها، ومن أهلها؛ لأنها كانت على علاقة مع ذلك الشاب بعد الزواج، وكان أهلها على علم بتلك العلاقة , وأحس بضيق في صدري وألم عندما أسترجع تلك الذكريات المريرة في حياتي، فماذا عليَّ أن أفعل؟ وما زلت حزيناً على الظلم الذي جرى عليَّ منها ومن أهلها , كما لا زلت في بعض المرات أتذكر هذه الفتاة , علماً بأنني متزوج حاليّاً، وزوجتي ستنجب في الشهر المقبل - إن شاء الله -، فأرجو منكم إفادتي بما يتوجب عليَّ فعله، كما أتمنى أن تفيدوني كيف لي أن أرجع حقي منهم، ولكم كل تحية وتقدير.]ـ
[الْجَوَابُ]
أولاً:
الزنا من - الرجل والمرأة - من المحرمات القطعية في دين الله تعالى، قال تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا) الإسراء/٣٢، وهذا نهي عن قربانه فكيف يكون حكم مقارفته وفعله؟!.
وحد الزاني المحصن – وهو من سبق له الدخول بعقد شرعي – الرجم حتى الموت، وحد الزاني البكر: جلد مئة، ويعزر بالتغريب – أو السجن – عاماً كاملاً.
وليس الزنا محرَّما في الإسلام فقط، بل هو حرام في كل دين وشرع، ولا يخالف في ذلك صاحب فطرة سليمة ولا عقل راجح.
قال القرطبي:
وقد أجمع أهل الملل على تحريمه، فلم يحل في ملة قط، ولذا كان حده أشد الحدود؛ لأنه جناية على الأعراض والأنساب، وهو من جملة الكليات الخمس، وهي حفظ النفس والدين والنسب والعقل والمال.
" تفسير القرطبي " (٢٤ / ٢٠، ٢١) .
ثانياً:
لا يجوز لأحدٍ أن يدَّعي على غيره اقتراف هذه الجريمة إلا ببينة، والبينة هي أن يرى الزنا أربعةُ شهود، ويرون الفعل كاملاً بإدخال فرج الرجل في فرج المرأة، وهذا لم يثبت في تاريخ الإسلام لصعوبة تحققه، ويثبت الزنا بإقرار الزاني، ويثبت – كذلك - إذا رفضت المرأة ملاعنة زوجها الذي اتهمها بالزنا.
وللزوج في اتهام زوجته بالزنا حكم خاص، وهو الملاعنة – وينظر تفصيله في جواب السؤال رقم: (٣٣٦١٥) - فإن قذفها بالزنى ولم يلاعنها: جُلد حد القذف، وهو ثمانون جلدة، ولا يجوز للزوج اتهام زوجته بالزنا لكونها خرجت مع أجنبي، أو رأى لهما صورة معاً، أو ما يشبه هذه الأحوال، إلا أن يرى ذلك بنفسه فيتيقن، أو يغلب على ظنه بقرائن قوية، وفعلها الذي وصفه زوجها لا شك أنه من عظائم الذنوب، وهي تستحق عليه الوعيد الشديد، لكن لا يجوز إثبات الزنا عليها بمثل هذه الأفعال.
قال ابن قدامة - رحمه الله -:
إذا قذف زوجته المحصنة: وجب عليه الحد , وحُكم بفسقه , وردِّ شهادته , إلا أن يأتي ببيِّنة أو يلاعن , فإن لم يأت بأربعة شهداء , أو امتنع من اللعان: لزمه ذلك كله، وبهذا قال مالك، والشافعي ... .
ولنا: قول الله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ، وهذا عام في الزوج وغيره , وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه.
وأيضا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيِّنة وإِلَاّ حدٌّ في ظَهْركِ) ، وقوله لما لاعن:
(عَذابُ الدنْيا أَهْونُ مِنْ عَذابِ الآخِرَة) ؛ ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه , فلزمه إذا لم يأت بالبينة المشروعة، كالأجنبي.
" المغني " (٩ / ٣٠) .
ثالثاً:
إذا ثبت الزنا باعترافها فإنه لا ينفسخ النكاح، ولا يسقط مهرها.
قال ابن مفلح:
فائدة:
إذا زنت امرأة رجل أو زنى زوجها، قبل الدخول أو بعده،لم ينفسخ النكاح في قول عامتهم.
" المبدع " (٧ / ٧٠) .
وقال ابن قدامة في:
وإن زنت امرأة رجل، أو زنى زوجها: لم يفسخ النكاح سواء كان قبل الدخول أو بعده.
" المغني " (٧ / ١٠٨) .
وقال الشنقيطي – رحمه الله -:
اعلم أن من تزوج امرأة يظنها عفيفة، ثم زنت، وهي في عصمته: أن أظهر القولين: أن نكاحها لا يُفسخ، ولا يحرم عليه الدوام على نكاحها، وقد قال بهذا بعض من منع نكاح الزانية، مفرقاً بين الدوام على نكاحها، وبين ابتدائه.
واستدل من قال هذا بحديث عمرو بن الأحوص الجشمي رضي الله عنه، أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال: «استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان ليس تملكون منه شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة؛ فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً» .
قال الشوكاني في حديث عمرو بن الأحوص هذا: أخرجه ابن ماجه والترمذي وصححه، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة عمرو بن الأحوص المذكور، وحديثه في الخطبة صحيح ا. هـ.
وحديثه في الخطبة هو هذا الحديث بدليل قوله " فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ "، وهذا التذكير والوعظ هو الخطبة كما هو معروف ... .
وبه تعلم: أن قول من قال: إن من زنت زوجته، فسخ نكاحها، وحرمت عليه: خلاف التحقيق، والعلم عند الله تعالى.
" أضواء البيان " (٦ / ٨٢، ٨٣) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في عدم سقوط المهر -:
ولا يسقط المهر بمجرد زناها، كما دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم للملاعن لما قال " مالي، قال: لا، مال لك، عندها إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللتَ من فرجها، وإن كنت كاذباً عليها فهو أبعد لك "؛ لأنها إذا زنت قد تتوب، لكن زناها يبيح له إعضالها، حتى تفتدي منه نفسها إن اختارت فراقه أو تتوب.
" مجموع الفتاوى " (١٥ / ٣٢٠) .
وانظر جواب السؤال رقم (٨٣٦١٣) .
رابعاً:
من ثبت عنده زنا زوجته باعترافها فطلقها: فالواجب عليه إعطاؤها كامل حقوقها، فإن لم يرغب بإعطائها حقوقها: فيجوز له التضييق عليها – عضلها – لتفتدي نفسها بالخلع، فيطلب إرجاع ما دفع لها من مهر، ويطلب زيادة إن شاء – على خلافٍ في الزيادة -.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/١٩.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ولهذا جاز للرجل إذا أتت امرأته بفاحشة مبينة أن يعضلها لتفتدي نفسها منه، وهو نص أحمد، وغيره؛ لأنها بزناها طلبت الاختلاع منه، وتعرضت لإفساد نكاحه، فإنه لا يمكنه المقام معها حتى تتوب.
" مجموع الفتاوى " (١٥ / ٣٢٠) .
قال ابن كثير – رحمه الله -:
وقوله: (إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) قال ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المُسَيَّب، والشَّعْبِيُّ، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وسعيد بن جُبَيْرٍ، ومجاهد، وعِكْرَمَة، وعَطاء الخراسانيّ، والضَّحَّاك، وأبو قِلابةَ، وأبو صالح، والسُّدِّي، وزيد بن أسلم، وسعيد بن أبي هلال: يعني بذلك الزنا، يعني: إذا زنت: فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها، وتُضَاجرهَا حتى تتركه لك وتخالعها، كما قال تعالى في سورة البقرة: (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) البقرة/٢٢٩.
وقال ابن عباس، وعكرمة، والضحاك: الفاحشة المبينة: النُّشوز والعِصْيان.
واختار ابن جرير – أي: الطبري - أنَّه يَعُم ذلك كلَّه: الزنا، والعصيان، والنشوز، وبَذاء اللسان، وغير ذلك.
يعني: أن هذا كله يُبيح مضاجرتها حتى تُبْرئه من حقها، أو بعضه، ويفارقها، وهذا جيِّد، والله أعلم.
" تفسير ابن كثير " (٢ / ٢٤١) .
وقال الشيخ الشنقيطي - رحمه الله -:
قوله تعالى: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ) الآية: صرَّح تعالى في هذه الآية الكريمة بالنهي عن إمساك المرأة مضارة لها لأجل الاعتداء عليها بأخذه ما أعطاها؛ لأنها إذا طال عليها الإضرار افتدت منه ابتغاء السلامة من ضرره.
وصرَّح في موضع آخر بأنها إذا أتت بفاحشة مبينة جاز له عضلها، حتى تفتدى منه، وذلك في قوله تعالى: (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ُلِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَاّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ) النساء/١٩، واختلف العلماء في المراد بالفاحشة المبينة:
فقال جماعة منهم هي: الزنا، وقال قوم هي: النشوز والعصيان وبذاء اللسان.
والظاهر: شمول الآية للكل، كما اختاره ابن جرير، وقال ابن كثير: إنه جيد؛ فإذا زنت، أو أساءت بلسانها، أو نشزت: جازت مضاجرتها، لتفتدي منه بما أعطاها على ما ذكرنا من عموم الآية.
" أضواء البيان " (١ / ١٨٩) .
وانظر جواب السؤال رقم (٤٢٥٣٢) .
خامساً:
الخلاصة:
١. اعلم أن ما فعلته زوجتك من تلك الأفعال المخالفة للشرع أمورٌ منكرة، وهي تستحق عليها الوعيد، ونسأل الله أن تكون تابت منها.
٢. وكذلك أهلها، فإنهم يأثمون لعلمهم وسكوتهم على تلك العلاقة الآثمة، ومن يرى في أهله السوء ـ كهذا ـ ثم يسكت عليه ديوث، مستحق للوعيد؛ عن عبدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ وَالْعَاقُّ وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ) رواه أحمد (٥٣٤٩) وصححه الألباني.
٣. ولا يجوز لك ادعاء الزنا على زوجتك السابقة لوجود علاقة بينها وبين ذلك الأجنبي؛ لما بيناه لك سابقاً.
٤. ولو فُرض أنها وقعت في الزنا: فإن عقدك عليها لم ينفسخ، ومهرها لم يسقط، بل هي تستحقه منك كاملاً.
٥. وإذا ثبت عندك زناها: فيجوز لك التضييق عليها حتى ترجع ما أعطيته لها، وهي – بالطبع – في هذه الحال لا تستحق مؤخر صداقها.
٦. وبما أنه لم يثبت زناها، وأنت لم تضيِّق عليها، بل بادرتَ لتطليقها: فإنها تستحق مهرها كاملاً.
٧. وقد أحسنتَ في تطليقها، فلا تقلق من فعلك هذا، ولا تجعل لها مجالاً للتفكير.
٨. ننصحك بعدم الالتفات للوراء، فهي أجنبية عنك، ولا حق لك عندها، وأنت متزوج فانظر أمامك، والتفت لنفسك وزوجتك الجديدة، ولا تحزن على ما فات، واجتهد في تربية نفسك وزوجتك على طاعة الله، وما فعلتَه هو الصواب إن شاء الله، فدع الانشغال بماضٍ أليم، ليس في التفكير فيه سوى إضاعة الوقت، والتسبب بالقلق.
نسأل الله تعالى أن يوفقك في حياتك الجديدة، وأن يكتب لك السعادة، وأن يرزقك الذرية الصالحة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب