للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كانت قواعد مذهب الشافعية أن العقود الجائزة متى تضمن الرجوع فيها إلى ضرر على أحد العاقدين فإنها تلزم، وكان مقتضى لزومها أن يبقى عقد العارية، لا أن ينتقل منه إلى عقد الإجارة، مع أن عقد الإجارة من عقود المعاوضات والذي يشترط فيه الرضا في ابتداء العقد، لا أن يعطى المستعير العين عارية حتى إذا شرع فيها وأصبح في وضع لا يتمكن من رد العارية إلا بالضرر طالبه المعير بالرد، ليحصل منه على معاوضة ما كان ليعقدها لو كان ذلك في ابتداء العقد، فإن هذا من التغرير الذي لا يسوغ، ولم يكن ينفعه أن يشترط في العارية مدة معلومة؛ لأن التوقيت وعد لا يلزم على مذهب الجمهور عدا المالكية كما سيأتي.

إذا علمت ذلك نأتي على بعض النصوص الشاهدة لما أجملناه من كلام الفقهاء.

جاء في تبيين الحقائق: «ويرجع المعير متى شاء، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: المنيحة مردودة، والعارية مؤادة، ولأن المنافع تحدث شيئًا فشيئًا، ويثبت الملك فيها بحسب حدوثه، فرجوعه امتناع عن تمليك ما لم يحدث فله ذلك» (١).

وجاء في شرح المحلى على المنهاج: «لكل منهما: أي المستعير والمعير رد العارية متى شاء، سواء في ذلك المطلقة والمؤقتة، ورد المعير بمعنى رجوعه ... إلا إذا أعار لدفن، وفعل، فلا يرجع في موضعه حتى يندرس أثر المدفون، محافظة على حرمة الميت، وله الرجوع قبل وضعه فيه، قال المتولي: وكذا بعد الوضع ما لم يواره التراب» (٢).


(١) تبيين الحقائق (٥/ ٨٤).
(٢) شرح المحلى على المنهاج مع حاشيتي قليوبي وعميرة (٣/ ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>