أما التأويل، فلهم في ذلك أقاويل كثيرة، أشير إلى أهمها، وقد تركت بعضها لكونه ظاهر الضعف.
من ذلك قولهم: إن هذا خبر آحاد فيما تعم به البلوى، وخبر الواحد فيما تعم به البلوى غير مقبول، وذلك أن البيع يتكرر، ومثل هذا تعم البلوى بمعرفة حكمه، ولأن العادة تقتضي أن ما عمت به البلوى يكون معلومًا عند الكافة، فانفراد الواحد به، على خلاف العادة فيرد.
[وأجيب عنه]
أولًا: لا نسلم هذا التقسيم، فإن تقسيم الأخبار إلى آحاد ومتواتر لم يكن مأثورًا عن السلف، ولا عن المتقدمين من أهل الحديث، وإنما عرف هذا عن أهل الأصول، وهم ليسوا من أهل الأثر، وعند المتأخرين من أهل الحديث، وعلى القول بهذا التقسيم فلا أثر له من جهة العمل بالحديث فلم يكن السلف يفرقون بين الآحاد والمتواتر بالأحكام من جهة وجوب العمل، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يبعث الصحابة لدعوة الناس إلى الهدى ودين الحق، وكانت الحجة تقوم بهم، وهم آحاد، والمعتمد في الرواية على عدالة الراوي وجزمه بالرواية. وقد وجد ذلك، وعدم نقل غيره لا يصلح معارضًا لجواز عدم سماعه للحكم. فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يبلغ الأحكام للآحاد والجماعة ولا يلزم تبليغ كل حكم لجميع المكلفين. وعلى تقدير السماع: فجائز أن يعرض مانع من النقل أعني نقل غير هذا الراوي.
ثانيًا: سلمنا أن البيع بما تعم به البلوى، ولكن الحديث دليل على إثبات خيار الفسخ، وليس الفسخ مما تعم به البلوى في البيع، فإن الظاهر من الإقدام على البيع: الرغبة من كل واحد من المتعاقدين فيما صار إليه. فالحاجة إلى معرفة حكم الفسخ لا تكون عامة.