[م - ٦٨] ناقشنا في المسألة السابقة الأثر المترتب على نظرية تحديد مجلس العقد، في تأخر القبول عن الإيجاب ما دام المتعاقدان في المجلس، ولم يعرضا عن العقد، وفي هذه المسألة نناقش أثرًا آخر، وهو رجوع الموجب عن إيجابه في مجلس العقد قبل صدور القبول، فالسؤال:
هل يكون الإيجاب ملزمًا قبل صدور القبول، أو يحق لمن صدر منه الإيجاب الرجوع عن إيجابه ما دام لم يقترن بالقبول؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال، ينبغي أن نعلم أن المفاوضات لا تعتبر إيجابًا، وذلك أن الإيجاب في بعض العقود يمر بمراحل من المساومات والمفاوضات، لأن طبيعة المعاملة تحتاج إلى أناة وإمعان نظر، فما يعرض في المفاوضات لا يعتبر إيجابًا.
كما أن عرض شخص التعاقد دون بيان لشروطه كأن يعرض منزلًا للبيع دون بيان لثمنه، أو بضاعة دون بيان ثمنها، فإنه في هذه الحالة لا يتعلق الأمر بإيجاب بات، وإنما بمجرد دعوة إلى التفاوض، فإذا انتهى الأمر إلى اتفاق بين الطرفين حول شروط العقد وقيمة المبيع تحول إلى إيجاب كامل قائم، فإذا ارتبط بقبول مطابق متصل تم العقد.
فإذا قطع أحد الطرفين المفاوضات قبل وصول الأمر إلى إيجاب بات فلا مسؤولية عليه، وليس لأحد أن يطالبه بأن يبين سبب هذا العدول، فقد يكون السبب أنه لم ير داعيًا لإتمام الصفقة، أو أنه رأى أن إتمامها ليس في مصلحته، أو أن الشخص الذي يتعامل معه لا يناسبه لسبب من الأسباب، أو أن شخصًا