بعد استعراض الأقوال وأدلتها أجد أن أضعف الأقوال: القول بأن البائع ينفعه شرط البراءة إذا كان المبيع حيوانًا، سواء خص ذلك بالرقيق كما هو المشهور من مذهب المالكية، أو خص ذلك بالحيوان مطلقًا، عاقلًا كان أو غير عاقل كما هو المنصوص عن الشافعي في الأم، لأن شرط البراءة إذا نفع البائع في الحيوان، فغير الحيوان مقيس عليه.
ويبقى النظر في القولين المتقابلين: القول بأنه يبرأ مطلقًا كما هو مذهب الحنفية، أو القول بأنه لا يبرأ مطلقًا كما هو المشهور من مذهب الحنابلة، وفي كلا القولين قوة، ولا أرى الاحتجاج بأثر عثمان رضي الله عنه، فإن أثر عثمان يكون حجة لو لم يخالفه صحابي آخر، وقد عارضه ابن عمر، فهو قد اشترط البراءة، ورأى أن ذلك ينفعه، وكون رأي عثمان رضي الله عنه قد لزم ابن عمر رضي الله عنهما فلأنه كان قد رضيه حاكمًا، وحكمه ملزم للمتخاصمين، ولكن رأي ابن عمر يبقى قولًا محفوظًا لصحابي ورع فقيه، ويبقى النظر في الحجج الأخرى خارج هذا الأثر، فالحنفية يرون أنه من باب الإسقاط، فالمشتري يملك حق خيار الرد بالعيب، فإذا أسقط حقه سقط، والإبراء من الحق المجهول جائز، والحنابلة يرون أن بعض العيوب قد تلحق ضررًا كبيرًا في المشتري، فلو دار في خلده أن يكون به مثل هذا الجنس من العيوب، أو مثل هذا القدر ما قبل البيع، واكتشاف هذا العيب بهذا الحجم يدل على أن العلم بالمبيع لم يكن متحققًا، وهو شرط في صحة البيع، فإذا لزمته الصفقة مع قيام هذا العيب المؤثر في ثمن السلعة والذي لم يعلم به العاقدان يعرض المشتري للغبن الفاحش، والغرر الكثير، ومثل هذا يؤثر في البيع.