ولقد خرج مسلم في صحيحه، زيادة ابن سيرين (فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار). ويمكن أن يقال: إن ابن سيرين إمام في الإتقان والحفظ، وكان له عناية في الرواية باللفظ، فتعتبر زيادته زيادة ثقة، فتعتبر حجة على من قال: ببطلان العقد مع التلقي، والله أعلم بالصواب.
[دليل من قال: السوق شركاء في السلعة.]
لا أعلم لهم دليلًا من جهة الآثار، ولكن قالوا ذلك: نكاية بالمتلقي، ومعاملة له بنقيض قصده، ومثل هذا يكون جيدًا لو لم يكن هناك نص من السنة، وقد قال القرطبي عن مذهب مالك، وموقفه من زيادة ابن سيرين في ثبوت الخيار للبائع إذا أتى السوق، قال:«كأن مالكًا لم تبلغه هذه الزيادة، أو لم تثبت عنده أنها من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلى قول مالك، فلا يفسخ، ولكن يخير أهل السوق، فإن لم يكن سوق، فأهل المصر بالخيار، وهل يدخل المتلقي معه، أو لا. قولان: سبب المنع عقوبته بنقيض قصده»(١).
[الراجح من الخلاف]
النهي عن التلقي ثابت في أحاديث كثيرة، واعتبار العقد صحيحًا أيضًا متجه لما رواه مسلم من طريق ابن سيرين، عن أبي هريرة، وفيه:(فإذا أتى سيده السوق، فهو بالخيار) حيث أثبت للبائع الخيار، وثبوت الخيار فرع عن صحة البيع، وإن لم تثبت زيادة ابن سيرين، فيمكن تصحيح العقد باعتبار أن النهي ليس عائدًا لذات البيع، وإنما لمعنى خارج عن البيع، وهو خوف التغرير بالبائع وخداعه، وهذا لا يستوجب إبطال العقد، وإنما يثبت الخيار لمن وقع في الغرر، فإن لم يكن هناك غرر فالقول بعدم الخيار قول قوي، والله أعلم.