أن العنب لا تقوم المعصية بعينه، بل بعد تغيره، فجاز بيعه، وأما السلاح في الفتنة فتقوم المعصية بعين السلاح، فمنع من بيعه، ولذلك لو اشترى حديدًا ليصنع منه سلاحًا، لجاز بيعه، ولم يكن هناك فرق بين العنب والحديد.
[الراجح]
بعد استعراض الأدلة أجد أن مذهب المالكية والحنابلة أقوى من حيث الدليل، لكنه لا يدل إلا على تحريم العقد إذا كان الباعث على العقد والقصد منه محرمًا، وأما بطلان العقد فلا يصار إليه إلا بحكم قضائي، بعد أن يتعذر إلزام المشتري من استغلال ما اشتراه بوجه حلال، والكف عن استعماله بوجه حرام، ويكون منع البائع للمشتري من استغلاله استغلالًا محرمًا على وجه الحسبة، لا عن طريق بطلان العقد، لأننا لا نستطيع لمجرد الباعث، وهو نية في قلبه على بطلان العقود التي ظاهرها الصحة، ولأن إثبات أن قصده من العقد كان محرمًا لمجرد أن استعمل البائع المبيع على وجه حرام ليس كافيًا، فقد يكون الباعث حين العقد مشروعًا، فيطرأ على المشتري ما يحمله على استعماله بوجه حرام، فقد يشتري السلاح للصيد، أو للجهاد، وتكون نيته تلك بقلبه، ثم يحدث ما يجعله يستعمل سلاحه في أمر محظور، وقد يكون الباعث على العقد أمرًا مشتركًا، فأراد به استعماله في الحلال، واستعماله في الحرام، كالمشتري لآنية مثلًا أراد أن يشرب بها المباح، والخمرة، فلا يبطل بهذه النية عقد البيع، فليس للبائع سلطة على المشتري ما دام أن العقد في شروطه، وأركانه، ومنها الصيغة قد توفرت فيها شروط العقد الصحيح.