للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمرابين، فإذا قلنا: إن كلمة (وكذلك الميزان) ليست محفوظة وفقًا للقواعد الحديثية انحل لنا هذا الإشكال، والله أعلم.

[الدليل الثاني]

(ح-٧١٩) ما رواه الحاكم من طريق حيان بن عبيد الله العدوي، قال: سألت أبا مجلز عن الصرف، فقال:

كان ابن عباس رضي الله عنهما لا يرى به بأسًا زمانًا من عمره، ما كان منه عينًا، يعني يدًا بيد، فكان يقول: إنما الربا في النسيئة، فلقيه أبو سعيد الخدري، فقال له: يا ابن عباس ألا تتقي الله إلى متى تؤكل الناس الربا، أما بلغك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم، وهو عند زوجته أم سلمة: إني لأشتهي تمر عجوة، فبعثت صاعين من تمر إلى رجل من الأنصار فجاء بدل صاعين صاع من تمر عجوة، فقامت فقدمته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رآه أعجبه، فتناول تمرة، ثم أمسك، فقال: من أين لكم هذا؟ .... فأخبرته أم سلمة، فقال: فألقى التمرة بين يديه، فقال: ردوه، لا حاجة لي فيه، التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والذهب بالذهب، والفضة بالفضة يدًا بيد، عينًا بعين، مثلًا بمثل، من زاد فهو ربا، ثم قال: كذلك ما يكال ويوزن ... الحديث (١).

[وجه الاستدلال]

قوله (وكذلك ما يكال أو يوزن) فدل على أن كل ما يوزن يجري فيه الربا.

[الحديث انفرد فيه حيان بن عبيد الله، عن أبي مجلز، وفي حيان ضعف من قبل حفظه] (٢).


(١) المستدرك (٢/ ٤٢)، وأخرجه البيهقي (٥/ ٢٨٦).
(٢) قال ابن عدي: وهذا الحديث من حديث أبي مجلز تفرد به حيان، ثم قال: ولحيان غير ما ذكرت من الحديث، وليس بالكثير، وعامة ما يرويه إفرادات ينفرد بها. الكامل (٢/ ٤٢٥ - ٤٢٦).
قد تكلمنا في هذا الطريق عند الجواب، هل رجع ابن عباس عن رأيه، وقد ذكرت أنه صالح للاستشهاد، في مسألة رجوع ابن عباس، وهذا يعني أنه غير صالح للاحتجاج.
فإن قيل: لماذا لا يكون هذا الحديث شاهدًا لحديث أبي سعيد وأبي هريرة السابقين؟

فالجواب: لا يصلح أن يكون كذلك، لأننا إذا حكمنا على أن ذكر كلمة الميزان (شاذة) في حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة، حيث إن كل من روى الحديث من مسند أبي سعيد لم يذكرها، وذكر أبي هريرة في إسناده قد تفرد به عبد المجيد، ولم يرو عن أبي هريرة من غير هذا الطريق، فإن الحديث الشاذ لا يصلح للاعتبار كما أشار إلى ذلك الحافظ في النخبة، فلا يبقى لنا للاحتجاج إلا هذا الطريق الضعيف، فلا يصلح أن يكون حجة، والله أعلم.
وقد أعله ابن حزم بثلاث علل:
الأولى: أن أبا مجلز لم يسمعه من ابن عباس ولا من أبي سعيد، والصواب أنه قد أدرك أبو مجلز ابن عباس وأبا سعيد.
الثانية: أنه من رواية حيان بن عبيد الله، وهو مجهول. والصحيح أنه ليس بمجهول العين، إلا أن فيه ضعفًا من قبل حفظه، لكونه يغرب على قلة مروياته.
الثالثة: أنه لو أسند حديث أبي مجلز، لما كان لهم فيه حجة، لأن اللفظ الذي تعلقوا به (وكذلك ما يكال ويوزن) ليس من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو من كلام أبي سعيد لو صح. قلت: الصحيح أن يقال: إن تفرده بمثل هذه اللفظة يوجب رد هذه الزيادة، والله أعلم. وانظر تخريجي للحديث عند الكلام عن رجوع ابن عباس عن جواز ربا الفضل.

<<  <  ج: ص:  >  >>