الذي أذهب إليه صحة اشتراط الواقف النظر لنفسه، والذي حمل المالكية إلى المنع هو اشتراطهم الحيازة، وسبب الخلاف في اشتراطها تردد الوقف بين الهبة والإعتاق:
فالمالكية يلحقون الوقف بالهبة والصدقة، فلا يلزم إلا بالقبض بجامع أن كلاً منهما تبرع بمال، والتبرع لا يلزم إلا بالقبض، فكذا الوقف.
والجمهور يلحقون الوقف بالإعتاق، فيحصل بمجرد اللفظ، وهو الراجح، وذلك أن الهبة إذا لم يقبلها صاحبها رجعت إلى الواهب بخلاف الوقف، كما أن الهبة يملك الموهوب له أصلها، وله بيعها، وهبتها، وتورث عنه بخلاف الوقف.
قال الشافعي رحمه الله:«لم يزل عمر بن خطاب المتصدق بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلي فيما بلغنا صدقته حتى قبضه الله تبارك وتعالى، ولم يزل علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلي صدقته بينبع حتى لقي الله عز وجل، ولم تزل فاطمة عليها السلام تلي صدقتها حتى لقيت الله تبارك وتعالى، قال الشافعي: أخبرنا بذلك أهل العلم من ولد فاطمة وعلي وعمر، ومواليهم، ولقد حفظنا الصدقات عن عدد كثير من المهاجرين والأنصار، لقد حكى لي عدد كثير من أولادهم وأهليهم، أنهم لم يزالوا يلون صدقاتهم حتى ماتوا، ينقل ذلك العامة منهم عن العامة، لا يختلفون فيه»(١).