فقول الإمام البخاري:«وهو حديثه الذي تفرد به، ويروى عن جابر خلاف هذا» إشارة من البخاري إلى العلتين: التفرد، والمخالفة.
وإذا ثبتت المخالفة فإن الثقة إذا خالف غيره في لفظ الحديث وموضوعه اقتضى الحكم للأوثق، وللأكثر عددًا كما هو عمل الأئمة المتقدمين بصرف النظر عن الفقه، ولا أعتقد أن هؤلاء الأئمة وفيهم البخاري وأحمد، وهما إمامان في الفقه كما هما إمامان في العلل يغيب عنهما المعنى الفقهي الذي قال به ابن القيم وابن عبد الهادي، ولا يمنع أن يضعف الفقيه الأثر من جهة الإسناد، ويقول به من جهة المعنى، ذلك أن الفقه باب واسع، وهو غير معصوم، وكم من مسألة قال بها الإمام أحمد من جهة الفقه مع تصريحه بأنه لا يثبت في هذا الباب شيء، فعمل الناس قد يكون مرده إلى القياس الصحيح، أو الاستصحاب، أو عمل الصحابة، أو غيره من الأدلة، والاحتياط للرواية ليس في قبولها، وإنما الأصل عدم الصحة حتى يثبت العكس، ومن الخطأ العلمي أن الباحث إذا توجه اختياره إلى قول من الأقوال الفقهية لم ينشط في كشف العلل الواردة على أدلة هذا القول، فليست صحة معنى الحديث كافية في صحة نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكم من مسألة ثبت الإجماع على صحتها، ولم يصح فيها أثر واحد، كمسألة الماء المتغير طعمه أو ريحه أو لونه بنجاسة، فإنه نجس بالإجماع، ولا يثبت فيه حديث صحيح، ومثلها مسألة بيع الكالئ بالكالئ، ومسألة كل قرض جر نفعًا فهو ربا، وغيرها كثير، والله أعلم.
الدليل الثالث:
من القياس. قال ابن القيم: «والقياس الصحيح يقتضي هذا القول، فإن الاشتراك في حقوق الملك شقيق الاشتراك في الملك، والضرر الحاصل بالشركة فيها كالضرر الحاصل بالشركة في الملك أو أقرب إليه، ورفعه مصلحة للشريك من