ومعنى: احبس أصله: أي على ما كان، ولا يمكن أن يراد بهما إلا معنى أحدهما، وإلا كان - عليه السلام - مجيبًا لعمر رضي الله عنه في حادثة واحدة بأمرين متنافيين، فلا بد من حمل أحد اللفظين على معنى الآخر، فإن حملنا: قوله: (احبس أصله) على معنى تصدق بأصله، فإن الاتفاق على نفيه؛ إذ لا يقول أحد: إن الفقير يملك العين، فوجب أن يحمل لفظ:(تصدق) على معنى (احبس)، فتحبس الرقبة على ملك صاحبها، فلا يبيعها، ولا يهبها، ولا يورثها، ويكون الفرق بين اللفظين: أن أحدهما كان لفظًا صريحًا، في الوقف، والآخر كان كناية، تحول إلى صريح حين قرن به لفظ: لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، فيكون الراوي صخر بن جويرية قد روى الحديث بالمعنى مستبدلًا اللفظ الصريح بلفظ من الكنايات، والخطب يسير، والله أعلم.
[ويرد على هذا الجواب]
على التسليم بأن لفظ (تصدق بأصله) غير محفوظة، فإن الوقف من باب الصدقات، والفرق بين الوقف وغيره من الصدقات، أن الصدقة تمليك للعين، والمنفعة. والوقف حبس للعين، وإخراجها عن اختصاص الآدميين إلى ملك الله تعالى، فلا يملك أحد من الآدميين التصرف فيها ببيع، أو هبة، أو إرث، وهذه هي خصائص الملكية، وتمليك للمنفعة لمن أوقفت عليه، والله أعلم.
[الدليل الثاني]
من النظر، وذلك أن الواقف لا يبقى له ملك على الوقف بعد موته؛ لخراب ذمته، فكذلك لم يبق له ملك على الوقف قبل موته؛ لأن حكم الوقف بعد موت واقفه، كحكمه في حياة واقفه.