للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرع الأول

أن يكون مال المضاربة دينًا على العامل

إذا صحت المصارفة على ما في الذمة صحت المضاربة على ما في الذمة.

جاء في المغني: «الثابت في الذمة بمنزلة المقبوض» (١).

ما في الذمة يخرج إلى الأمانة فيرتفع الضمان (٢).

[م-١٣٥٥] إذا كان للرجل دين على آخر، فقال له: ضارب بالدين الذي لي عليك، فهل تصح المضاربة؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين:

[القول الأول]

ذهب جمهور العلماء إلى المنع (٣)،

وعللوا ذلك بعلل منها:


(١) المغني (٤/ ٥٢).
(٢) انظر إيضاح المسالك (ص: ٢٧٧)، القواعد الفقهية المستنبطة من المدونة ـ أحسن زقور (٢/ ٧٠٤).
(٣) قال الكاساني في بدائع الصنائع (٦/ ٨٣): «أن يكون رأس المال عينًا لا دينًا، فإن كان دينًا فالمضاربة فاسدة، وعلى هذا يخرج ما إذا كان لرب المال على رجل دين، فقال له: اعمل بديني الذي في ذمتك مضاربة بالنصف، أن المضاربة فاسدة بلا خلاف».
وقال مالك في الموطأ (٢/ ٦٨٩): «إذا كان لرجل على رجل دين، فسأله أن يقره عنده قراضًا أن ذلك يكره حتى يقبض ماله، ثم يقارضه بعد، أو يمسك، وإنما ذلك مخافة أن يكون أعسر بماله، فهو يريد أن يؤخره ذلك على أن يزيده فيه».

وقال ابن رشد المالكي في بداية المجتهد (٢/ ١٧٩): «وجمهور العلماء مالك، والشافعي، وأبو حنيفة على أنه إذا كان لرجل على رجل دين، لم يجز أن يعطيه له قراضًا قبل أن يقبضه، أما العلة عند مالك فمخافة أن يكون أعسر بماله، فهو يريد أن يؤخره عنه على أن يزيد فيه، فيكون من الربا المنهي عنه، وأما العلة عند الشافعي وأبي حنيفة فإن ما في الذمة لا يتحول ويعود أمانة».
وقد نص المالكية على اشتراط تسليم رأس مال المضاربة، وهو أخص من الدين؛ لأن العاقد يخرج من الدين في تعيين مال المضاربة ولو لم يسلمه إلى العامل، فلما اشترطوا تسليمه دل ذلك على أنهم يمنعون المضاربة بالدين من باب أولى. انظر: الخرشي (٦/ ٢٠٦)، الشرح الكبير (٣/ ٥١٧).
وقال الباجي في المنتقى (٥/ ١٥٥): والقراض بالدين على وجهين: أحدهما: أن لا يحضر المال. والثاني: أن يحضره.
فإن لم يحضره فقد حكى ابن المواز عن مالك ليس له إلا رأس ماله .... وإن كان أحضر المال فجعله قراضا قبل أن يقبضه رب المال فالمشهور من المذهب أنه غير جائز، وبه قال الشافعي.
وقال القاضي أبو محمد فيمن غصب دنانير أو دراهم ثم ردها فقال المغصوب منه: لا أقبضها، ولكن أعمل بها قراضًا: إن ذلك جائز، ويحتمل أن يكون الفرق بينهما أن يكون المغصوب أحضر المال تبرعا، فلذلك جوزه، وأن الذي عليه الدين اتفق معه على إحضار الدين ليرده إليه على وجه القراض ولو جاء بدينه متبرعا قاضيا له فتركه عنده قراضا، أقام إحضاره مقام قبضه بعد المعرفة بجودته ووزنه والدليل على صحة ما ذكرناه من قول أصحابنا في المنع من ذلك، أنه ما لم يقبض منه بالانتقاد والوزن فهو في ذمته، فلم يجز القراض به كالذي لم يحضره».
والذي أرى أن وجه الفرق بين المغصوب والدين: أن المغصوب لا يعتبر دينًا؛ لأنه معين، والدين لا يتعين إلا بالقبض، ولم يقبض، هذا هو الفرق بينهما.
وقال الماوردي الشافعي في الحاوي الكبير (٧/ ٣٠٨): «ولو كان له على العامل دين، فقال له: قد جعلت ألفًا من ديني عليك قراضًا في يدك لم يجز؛ تعليلًا بأنه قراض على مال غائب .... ».
وقال ابن قدامة في المغني (٥/ ٤٣): «ولا يجوز أن يقال لمن عليه دين: ضارب بالدين الذي عليك، نص أحمد على هذا، وهو قول أكثر أهل العلم، ولا نعلم فيه مخالفًا .... وقال بعض أصحابنا: يحتمل أن تصح المضاربة .... ». وانظر شرح منتهى الإرادات (٢/ ٢١٨)، كشاف القناع (٣/ ٥١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>