للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصحة، وكان ذلك كافيًا في حق الفقيه، فهو موافق للقواعد، فإن الرضا شرط لصحة البيع، وفقده يؤثر في العقد، وإلزام الناس به يكون من أكل أموال الناس بالباطل، قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء:٢٩] والمشتري لم يقبل المبيع، ولم يرض أن يبذل الثمن إلا لظنه أن المباع كثير اللبن، وقد فعل البائع ما أوقع المشتري في التغرير من التصرية المنهي عنها بالإجماع كما سبق ذكره، فأفقد ذلك لزوم البيع في حق المشتري، وكان له الخيار ليتحقق الرضا، والذي هو شرط من شروط صحة البيع.

[دليل أبي حنيفة على عدم ثبوت الخيار بالتصرية]

[الدليل الأول]

قالوا: إن التصرية ليست عيبًا، بدليل أنه لو لم تكن مصراة، فوجدها أقل لبنًا من أمثالها لم يملك ردها بالاتفاق؛ لأن قلة اللبن ليست عيبًا، والبيع إنما يقتضي سلامة المبيع، وبقلة اللبن لا تنعدم صفة السلامة؛ لأن اللبن ثمرة، وبعدم الثمرة لا تنعدم السلامة. وإذا ثبتت صفة السلامة انتفى العيب، وما دام أنه ليس بعيب فالتدليس به لا يوجب الخيار (١).

[ويجاب]

لو سلمنا أن قلة اللبن ليست عيبًا، فإن كثرة اللبن صفة كمال مطلوبة للمشتري، وقد اشترى الدابة بناء على وجود هذه الصفة، فتبين عدم وجودها فاستحق الخيار لفوات الصفة المرغوبة، خاصة أن هذه الصفة تزيد في قيمة الدابة.


(١) انظر المبسوط (١٣/ ٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>