ولذلك قلنا: إنه جائز استحسانًا لا قياسًا، كما جاز بيع السلم، وهو على خلاف القياس (١).
وأما الجواب بناء على القول الراجح، فيقال: إن بيع المعدوم لما كان موصوفًا متعلقًا بالذمة ولم يكن في معين لم يمنع ذلك من بيعه، كما في عقد السلم، فإنه عقد على معدوم، ولكنه موصوف، ومتعلق بالذمة، وقد ناقشت الخلاف في بيع المعدوم، وبينت أنه لا يوجد نص في النهي عن بيعه، وإنما النص في النهي عن بيع الغرر، ومن المعدوم ما لا غرر في بيعه، لضبط أوصافه في العقد، ولوجوده عادة عند التسليم. نعم يوجد نص في النهي عن بيع بعض المعدومات، وليست العلة العدم، وإنما العلة الغرر، فإذا كان المعدوم لا غرر في بيعه، وكان قادرًا على تسليمه لم يمنع ذلك من بيعه، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى بحث بيع المعدوم، حيث فصلنا الخلاف هناك فأغنى عن إعادته هنا.
وأما النهي عن بيع الدين بالدين، فالحديث لا يثبت، وبيع الدين بالدين له صور كثيرة، منها الممنوع، ومنها الجائز، وهذه الصورة تلحق بالصور الجائزة وقد بحثت مسائل بيع الدين بالدين القديم منها والمعاصر، وبينت كلام أهل العلم والراجح فيها، فأغنى عن إعادته هنا.
[الدليل الثالث]
لو كان الاستصناع عقدًا لما بطل بموت الصانع، والعقود في المعاملات ... لا يبطلها موت أحد طرفيها.
[ويجاب]
بأن الاستصناع إنما بطل بموت الصانع لشبهه بالإجارة، حيث إنه عقد مركب
(١) انظر تبيين الحقائق (٤/ ١٢٤)، حاشية ابن عابدين (٥/ ٢٠٨).