الفقهاء المتقدمون لم يبرزوا هذه القاعدة بالبحث، وإنما اجتهد من أبرزها باستنباطها من أصول مذاهب الأئمة، ومن خلال تتبع أحكامهم على الشروط الصحيحة والفاسدة، وما استقر عليه مذهبهم عند الكلام على مسائل من الفروع الفقهية والمتضمنة لاشتراط شروط خاصة في العقود، كاشتراط الخيار أكثر من ثلاثة أيام، وكاشتراط سكنى الدار مدة معينة ... الخ هذه الفروع (١)،
وأول من تناول هذه القاعدة بالبحث هو ابن حزم، ثم توسع في ذكرها، وإبرازها، والدفاع عنها، وحشد الأدلة عليها ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم رحمهم الله، ولا يستغني أي باحث يريد أن يتناول هذه القاعدة عن الرجوع إلى كلام ابن حزم، وابن تيمية وابن القيم عليهم رحمة الله جميعًا.
(١) يتضح لك ذلك من كلام ابن تيمية، وهو يعرض نتيجة استقرائه لمذهب أحمد، ومقارنته مع غيره، يقول ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (٤/ ٧٩): «القول الثاني: أن الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة ولا يحرم ويبطل منها إلا ما دل على تحريمه وإبطاله نص أو قياس عند من يقول به وأصول أحمد رضي الله عنه المنصوص عنه أكثرها تجري على هذا القول ومالك قريب منه، لكن أحمد أكثر تصحيحًا للشروط، فليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحًا للشروط منه .. وعامة ما يصححه أحمد من العقود والشروط فيها تنبيه بدليل خاص من أثر أو قياس لكنه لا يجعل حجة الأولين مانعًا من الصحة ولا يعارض ذلك بكونه شرطًا يخالف مقتضى العقد، أو لم يرد به نص وكان قد بلغه في العقود والشروط من الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة ما لم يجده عند غيره من الأئمة فقال بذلك وبما في معناه قياسًا عليه وما اعتمده غيره في إبطال الشروط من نص فقد يضعفه أو يضعف دلالته وكذلك قد يضعف ما اعتمدوه من قياس وقد يعتمد طائفة من أصحاب أحمد عمومات الكتاب والسنة التي سنذكرها في تصحيح الشروط، كمسألة الخيار أكثر من ثلاث فإنه يجوز شرط الخيار أكثر من ثلاث مطلقًا ومالك يجوزه بقدر الحاجة وأحمد في إحدى الروايتين يجوز شرط الخيار في النكاح أيضًا، ويجوزه ابن حامد وغيره في الضمان ونحوه .. الخ كلام رحمه الله.