وأما مذهب الشافعية: فقد جاء في المجموع (٩/ ١٩٧): «لو قال: بعت داري لفلان، وهو غائب، فلما بلغه الخبر، قال: قبلت. انعقد البيع، لأن النطق أقوى من الكتب». وفيه أيضًا (٩/ ١٩٨): «قال الغزالي في الفتاوى: إذا صححنا البيع بالمكاتبة، فكتب إليه، فقبل المكتوب إليه ثبت له خيار المجلس ما دام في مجلس القبول. قال: ويتمادى خيار الكاتب إلى أن ينقطع خيار المكتوب إليه حتى لو علم أنه رجع عن الإيجاب قبل مفارقة المكتوب إليه مجلسه صح رجوعه ولم ينعقد البيع». وفي مذهب الحنابلة، جاء في كشاف القناع: «(وإن كان) المشتري (غائبا عن المجلس فكاتبه) البائع (أو راسله: إني بعتك) داري بكذا (أو) إني (بعت فلانًا) ونسبه بما يميزه (داري بكذا فلما بلغه) أي: المشتري (الخبر) قبل البيع (صح) العقد; لأن التراخي مع غيبة المشتري لا يدل على إعراضه عن الإيجاب بخلاف ما لو كان حاضرًا» ففرق المصنف في تراخي القبول عن الإيجاب بين ما إذا كان المشتري حاضرًا وما إذا كان غائبًا. (١) سيأتي النقول من كتب الحنفية لهذا الشرط في معرض ذكر الأدلة إن شاء الله تعالى، والحقيقة أن هذا القول لم أجده لدى كتب الفقهاء المتقدمين صريحًا، وإنما أخذته استنباطًا من اشتراط السماع في بيع المتعاقدين الحاضرين كما ستراه عند النقول. وقد اختلف أهل الفقه في هذا العصر، هل الفقهاء المتقدمون عندما تركوا النص على اشتراط العلم بالقبول، تركوه اقتصارًا على ذكره في البيع بين المتعاقدين الحاضرين، فتجنبوا ذكره في البيع بين الغائبين اختصارًا، أو أنهم يرون أن سماع القبول ليس بشرط، على قولين: الأول: يرى أن اهتمام الفقهاء المتقدمين كان متوجهًا إلى بيان جواز هذا النوع من التعاقد، وأن حضور المتعاقدين ليس بشرط في انعقاد البيع، ولم يكن اهتمامهم متوجهًا إلى بيان دراسة المسائل الدقيقة المترتبة على القول بجواز مثل هذه المعاملة. وممن رأى هذا الرأي الدكتور السنهوري رحمه الله، حيث يقول في كتابه مصادر الحق (٢/ ٥٤ - ٥٦): «أما في الفقه الإسلامي فلم نعثر على نص صريح في هذه المسألة يبين =