في القبول كان في ذلك تضييق على من وجه إليه الإيجاب، وعدم إعطائه فرصة للتدبر، وقد يفاجأ بالإيجاب من غير توقع.
فإن رفض فوراً ضاعت فرصته بالتملك.
وإن قبل فوراً ربما كان في قبول الهبة ضرر عليه، كما لو كان الموهوب يحتاج إلى مئونة، أو كان في مال الواهب شبهة، وقد يلحقه من الواهب منة أو أذى، فيحتاج لفترة تأمل.
وإن قلنا: يسمح له أن يتأخر في صدور القبول حتى بعد التفرق، كان في ذلك إضرار بالموجب، وذلك بإبقائه مدة طويلة دون الرد على إيجابه، ومن هنا فالقول بمجلس العقد قول وسط.
وعن هذا قال الفقهاء: إن المجلس يجمع المتفرقات.
ففي إبطال الهبة قبل انقضاء المجلس عسر بالموهوب له، وفي إبقائه فيما رواء المجلس عسر بالواهب، وفي التوقف على المجلس يسر بهما جميعًا، والمجلس جامع للمتفرقات .... فجعلت ساعاته ساعة واحدة، دفعاً للعسر، وتحقيقاً لليسر.
[الراجح]
أن عقد الهبة لا يصح قياسه على عقود المعاوضات التي تنشيء إلتزامات متبادلة، فالهبة تنعقد بالإيجاب وحده، والقبول والقبض شرط لترتب أثر الهبة، من انتقال الملك للموهوب له، والهبة لا تلزم بالقبول وإنما تلزم بالقبض بخلاف المعاوضات والتي يثبت الملك فيها بالقبول، وتلزم بالتفرق، فالواهب له الرجوع قبل قبض الموهوب له، سواء قبل الموهوب له أو لم يقبل، وسواء تفرقا أو لم يتفرقا، لهذا أرى أن قول المالكية أقوى الأقوال، والله أعلم.