إذا سلمنا أن البيع كان قبل تملك البضاعة، فإن تحريم البيع قبل التملك إنما هو من خشية الغرر، فقد يحصل، وقد لا يحصل، وباب الغرر يغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره، ولذا جاز منه اليسير، والتابع، وما يحتاج إليه حاجة عامة، لأن منع الناس مما يحتاجون إليه حاجة عامة، ضرره أشد من ضرر الوقوع في الغرر.
فإذًا الحاجة داعية إلى الإلزام بالوعد، كما دعت الحاجة إلى جواز بيع السلم، وجواز عقد الاستصناع، واغتفر ما يعتريهما من الغرر تقديرًا للحاجة، والحاجة هنا داعية لاتساع رقعة التعامل، وتضخم رؤوس الأموال، وحاجة المنشآت إلى دعمها بالآلات والمباني التي لا قوام لها إلا بها، فإن لم تتم تلك المعاملة وقع المسلم في حرج ومشقة الفوات لمصالح يريد تحقيقها، فإن لم تكن من هذا الباب اضطر إلى القرض بفائدة، ودينه يعصمه من هذا الربا المحرم، فليقرر هذا التعامل تحت وطأة الحاجة والانتشال من المحرم، وتحقيق مصالح المسلمين (١).
[ويجاب]
لو لم تكن النصوص صريحة في الباب لقيل بجوازه بناء على هذه الحاجة أو المصلحة، ولكن إذا كانت النصوص صريحة في منع الإنسان من بيع ما لا يملكه، ومن بيع الدين بالدين في الصورة المجمع عليها، ومن النهي عن الربح في ما لم يضمن دل على أن هذه المصلحة ملغاة في حكم الشارع، وكان الأخذ بها تغييرًا لحكم الشرع، فأي مصلحة ممكن أن تطلب في مخالفة الحكم الشرعي.