غير متعلقة بما قبلها، فقال:«إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس».
برهان صحة هذا القول: أنه لا يحل أن ينسب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه علل علة فاسدة منكرة حاش له من ذلك، ونحن نجد من له عشرة من الورثة فقراء ولم يترك إلا درهمًا واحدًا فإن له بإقرارهم أن يوصي بثلثه، ولا يترك لهم ما يغنيهم من جوع غداء واحدًا، ولا عشاءً واحدًا.
ونحن نجد من لا يترك وارثًا إلا واحدًا غنيًا موسرًا مكثرًا، ولا يخلف إلا درهمًا واحدًا، فليس له عندهم ولا عندنا أن يوصي إلا بثلثه، وليس له غنى فيما يدع له؟ ولو كانت العلة ما ذكروا لكان من ترك ابنًا واحدًا، وترك ثلاثمائة ألف دينار يكون له أن يوصي بالنصف؛ لأن له فيما يبقى غنى الأبد، فلو كانت العلة غنى الورثة لروعي ما يغنيهم على حسب كثرة المال وقلته وهذا باطل عند الجميع.
فصح أن الذي قالوا باطل، وأن الشريعة في ذلك إنما هو تحديد الثلث فما دونه فقط قل المال أو كثر، كان فيه للورثة غنى أو لم يكن» (١).
[ويناقش]
بأنه إنما جاز أن يوصي بماله كله مع عدم الوارث، ولم يجز أن يوصي بأكثر من الثلث مع الوارث، وإن كان الوارث غنيًا؛ لأن الوارث له حق شرعًا في مال الموصي، فحقه لا يسقط بغناه، فإذا لم يكن هناك وارث فليس هناك صاحب حق، ولهذا جازت الوصية بماله كله.