فهذا الكلام ليس دقيقًا، فالضمان في كلا النظامين هو الباعث على التعاقد، فالمستأمن حين دفع ماله على حبه له، إنما دفعه من أجل هدف واحد، سواء كان ذلك في التأمين التعاوني أو التجاري، لم يدفعه بقصد الإحسان، ولا بنية التعاون على البر والتقوى، وإنما دفعه طلبًا للضمان، وتحصينًا لماله من التعرض للهلاك، وهو طلب مشروع، لا يقدح في صحة المعاملة.
[الأمر الثالث]
أن حقيقة المتبرع هو من يبذل ماله بغير عوض، بخلاف المعاوض: فإنه يبذل ماله بعوض.
فالتأمين التعاوني حقيقته: أتبرع لك بشرط أن تتبرع لي، ولولا هذا الالتزام لم أتبرع، ولولا الطمع في أن يكون هناك تعويض لم ألتزم بدفع أقساط التأمين، فهناك فرق بين من يتبرع، ولا يتطلب استحقاقًا، ثم قد توجد به صفة الاستحقاق دون قصد، فيأخذ، ومن يدفع من أجل الأخذ، ولولا الأخذ ما دفع، فلو أوصى رجل على أن ثلث ماله يصرف على الفقراء، أو على طلبة العلم، وكان أحد أولاده فقيرًا، أو طالب علم استحق بهذا الوصف، ولم يدخل في الوصية للوارث، ولو أراد بتلك الوصية التحايل لإعطاء أحد ورثته دون آخر، أثم بذلك، ولم يحل له أخذ المال، فعقد التأمين التعاوني أعطيكم بشرط أن تعطوني، هذه حقيقة المعاوضة، والأشياء بمعانيها لا بأسمائها، وإذا كان الفقهاء يعدون هدية الثواب معاوضة؛ لأن الإنسان إنما بذل هديته طلبًا للثواب، فأخذت حكم المعاوضة، ولم ينظر إلى كونها قدمت باسم الهدية، فكيف لا يكون التبرع للآخرين بشرط أن يتبرعوا له، لا يكون معاوضة.
ثم إن التبرع ليس من عقود الإلزام، وهذا عقد ملزم، فطبيعة العقد: التزام