أنه ليس في التسعير إكراه على بيع الإنسان ماله، فهو حر إن شاء باع، وإن شاء أمسك، ما لم يكن محتكرًا، ولكن إذا شاء بيعه بإرادته فليس له بيعه إلا بسعر المثل، وهذا ليس إكراهًا على البيع، وإنما تقدير للثمن، فلا يجوز لنا أن نلحق الضرر بالمستهلك حماية لحق بائع، أو عدد من الباعة، وقد يزيدون فيما هو قوت للناس، ولا تقوم حياتهم إلا به، مع أن مصلحة الباعة مصلحة تحسينية في كسب مقدار زائد من الربح، في مقابل مصلحة المستهلك، وهي مصلحة ضرورية فيها حفظ الأنفس، وعلى تقدير أن تكون مصلحة البائع، ومصلحة المشتري متقابلتين، فليس أحدهما أولى بالمراعاة من الآخر، فلا يجوز للبائع أن يستغل حاجة المستهلك إلى السلعة، ليبيعها بأكثر من ثمنها، وليس من حق المشتري أن يأخذ السعلة بأقل من ثمنها، فالعدل مراعاة حق العاقدين من بائع ومشتر، وثمن المثل ليس فيه وكس ولا شطط.
[الوجه الثاني]
أن يقال: ليس الإكراه على البيع باطلًا كله، بل منه ما هو بحق، ومنه ما هو بغير حق، فإذا كان الإكراه على البيع من أجل قضاء دين واجب عليه، أو لأداء نفقة واجبة عليه، فلا يعتبر من الإكراه الباطل، وكذلك تقدير الثمن: منه ما هو بحق، ومنه ما هو بغير حق، فإذا كان الباعة يتعدون في الثمن، ويلحقون الضرر بعامة الناس، ويحتكرون السلع طلبًا للغلاء الفاحش كان التسعير عليهم لدفع عدوانهم، وأما إذا كان ارتفاع الثمن نتيجة قلة السلع في السوق، أو كثرة الطلب عليها، كان التسعير عليهم من الظلم لهم، ونحن نقول بالتسعير إذا كان فيه عدل للطرفين، ولم يشتمل على ظلم طرف لآخر.