(٢) لعلنا نفقه من هذه المسألة وأمثالها طريقة التعامل مع الخلاف الصادر من طلبة العلم، وكيف نتقبل هذا الخلاف باحترام وأدب، فإذا توجه نقدنا للقول بينا ضعفه فيما نظن أننا نخدم العلم، ونقوم بالواجب، وإذا توجه نقدنا للقائل تعاملنا معه بحسن نية، وسلامة صدر، وإحسان ظن بالباعث، وتفهمنا اختلاف المدارك والعقول، دون تجريح للقائل، ودون تسفيه للرأي، خاصة أنها في مسائل يعاد فيها الخلاف ويكرر من الصدر الأول، ولا يزال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وهما عبادتان يستطيع طالب العلم أن يقوم بهما، فلا يحملني نقدي للقول على ظلمي للقائل، ولا يحملني ردي للقول على عدم التماس العذر لقائله.
إن اللجاج الحاصل بين طلبة العلم في مسائل الفقه، بين أصحاب التوجه الواحد إذا فكر فيه الإنسان اليوم جزم أن الباعث عليه إما عسر في الطباع، ودليل على سوء الأخلاق، وهذا هو الأكثر، وإما قصور في طلب العلم مما جعل صاحبه يلج في جهل وجهالة وهذا كثير، وإما حظ خفي للنفس لبس لبوس الغيرة على الدين، والغضب لرب العالمين، وإني أحزن كثيرًا، وتكاد تذهب نفسي حسرات إذا حُمِّل الخلاف الفقهي المشروع بأن مرده إلى اختلاف المناهج، والتأثر بأهل البدع، والاتهام بعدم احترام الآثار، والتأثر بالمدارس العقلية إلى آخر التصانيف الجاهزة عند أناس لديهم استعداد وقابلية في بث الفرقة وأن يكونوا أئمة في الجرح والتعديل بلا حاجة، ولا علم ولا إنصاف، ولا ورع، إن المشتغل بهذا لو علم أن ما وقع فيه من النيل من عرض أخيه أبغض على الله مما أخطأ فيه هذا المجتهد الذي تلمس الحق، ولم يحالفه الحظ إذا سلم أنه قد أخطأ، فالخطأ في الاجتهاد لم يثرب الله عليه، بل رتب الله عليه أجرًا، وهو واقع قدرًا وشرعًا، بينما لم يعذر الله في التجريح والسباب، وسوء الأخلاق، والله وحده هو المستعان على لجم النفس عن الظلم والتجاوز، والتطاول على أهل الفضل والخير والإصلاح، وما أبرئ نفسي، وإني أحاول علاجها ما استطعت، ولا أزال حتى ألقى الله، الشأن في ذلك شأن مراقبة النفس في التجرد والإخلاص، ينازع المرء في ذلك نفس ضعيفة أمَّارة بالسوء طبعت على الظلم والجهل، وشيطان يجري منه مجرى الدم، ويظل الإنسان خائفًا منه ومن نفسه حتى تبلغ الروح الحلقوم، وينقطع العمل، اللهم عفوك وعافيتك، اللهم اغفر لكل من تجاوزنا عليه حتى ترى أننا قد خرجنا من خطئنا عليه إلى السلامة، إنك أنت الوهاب.