ما ذكره العلماء من أن الأمور قسمان: عبادات ومعاملات، فالعبادات الأصل فيها التحريم؛ لأن التعبد لا بد فيه من الإذن الشرعي على فعله، ولهذا ذم الله سبحانه وتعالى المشركين الذين شرعوا لهم دينًا من قبل أنفسهم، فقال:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}[الشورى:٢١].
وأما المعاملات فالأصل فيها الحل، حتى يأتي دليل شرعي يمنع من ذلك لقوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}[البقرة:٢٧٥] فالبيع مطلق يشمل كل بيع إلا ما دل الدليل الخاص على تحريمه
وقوله تعالى:{إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ}[النساء:٢٩]. فلم يشترط إلا مجرد الرضا.
فإذا كانت العقود والشروط من باب الأفعال العادية فالأصل فيها عدم التحريم، فيستصحب عدم التحريم فيها حتى يدل دليل على التحريم كما أن الأعيان الأصل فيها عدم التحريم وقوله تعالى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}[الأنعام: ١١٩] عام في الأعيان والأفعال وإذا لم تكن حراما لم تكن فاسدة; لأن الفساد إنما ينشأ من التحريم وإذا لم تكن فاسدة كانت صحيحة وأيضًا فليس في الشرع ما يدل على تحريم جنس العقود والشروط إلا ما ثبت تحريمه بعينه (١).
[الدليل الثالث]
(ح-٣٩١) ما رواه الترمذي من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه.
عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الصلح جائز بين المسلمين إلا
(١) انظر الفتاوى الكبرى (٤/ ٩٠)، مجموع الفتاوى (٢٩/ ١٥٢).