للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وسبب الاختلاف]

اختلافهم في الإجارة في الذمة، هل تعتبر من قبيل السلم في المنافع، والسلم يشترط له تعجيل الثمن حتى لا يكون ذلك من باب بيع الكالئ بالكالئ، أو لا يعتبر ذلك باعتبار أن الأجرة لا تستحق بالعقد، وإنما تستحق إما بالفراغ من العمل، أو بحسب استيفاء المنفعة شيئًا فشيئًا، فاختلف ذلك عن بيع السلم، وهي مسألة خلافية سنتعرض لها إن شاء الله في مبحث مستقل.

وما ذهب إليه الحنفية والحنابلة هو الراجح للأسباب التالية:

أولًا: أن المالكية قالوا بتعجيل الأجرة قياسًا على السلم، ومع ذلك لم يطبقوا عليها أحكام السلم من كل وجه، فالسلم الحال لا يجوز عند المالكية، وتعجيل الإجارة فيما إذا كانت على عمل في الذمة جائز عندهم، وهذا يبين أن الإجارة على الذمة لا تأخذ حكم السلم من كل وجه.

قال الباجي في المنتقى: «فأما الكراء المضمون (ما كان في الذمة) فإنه يجوز أن يكون معجلًا بخلاف السلم على المشهور من المذهب ووجه ذلك أن المنافع هذا حكمها لا يجوز أن يعقد منها إلا على موجود مع الإجماع على جوازه فيمن يعتبر بقوله ولذلك قال تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص:٢٧] فإذا ثبت ذلك فالتعيين في العين المعقود على منافعها إنما هو تعيين لعين المعقود عليه فإذا جاز العقد على منافع دابة معينة مؤجلة فكذلك على منافع دابة غير معينة» (١).

ثانيًا: أن تأخير الأجرة هو الذي يقتضيه حال الناس اليوم لكون الإجارة لم تكن على ثوب يقدمه صاحبه إلى حائك، وإنما بلغت الإجارة اليوم على أعمال


(١) المنتقى للباجي (٥/ ١١٥ - ١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>